الحلويات من اللذة إلى الابتلاء
…
الحلويات أصبحت في المجتمعات الحديثة رمزًا للراحة النفسية، والهروب اللحظي من الواقع، ومحفزًا لمشاعر المتعة السريعة، حتى بات البعض يتهافت عليها بشكل لا إرادي، وكأنها مخدر يُسكِّن آلام الحياة اليومية. حين نراقب بعض الأشخاص، حتى من بين النخبة أو من يُعتبرون في نظر المجتمع محترمين وواعين، نجدهم يندفعون نحو الحلوى بعينين يملؤهما التلهف، ونفس تتنفس بسرعة، وعقل يبرر الاستسلام لتلك القطعة الصغيرة من السكر وكأنها النجاة الوحيدة.
هذه الظاهرة يمكن فهمها من خلال علم النفس العصبي، فحين ترى العين قطعة الحلوى، يتم تنشيط منطقة في الدماغ تعرف باسم “نظام المكافأة”، وهي المسؤولة عن إفراز الدوبامين، وهو الهرمون الذي يمنح الإنسان شعورًا بالسعادة والمتعة. هذه الرغبة لا تكون بالضرورة نتيجة جوع جسدي، بل غالبًا ما تكون نتيجة جوع نفسي، أو فراغ عاطفي، أو رغبة في التخفيف من التوتر والقلق. فتتحول الحلوى من مجرد طعام إلى ملجأ، ومن لذة بسيطة إلى نوع من الإدمان الناعم.
إن الإدمان على السكر يشبه إلى حد كبير الإدمان على المواد المخدرة في بعض تأثيراته، لأنه يعيد برمجة الدماغ ليطلب المزيد منه، ويخلق ارتباطًا شرطيًا بين التوتر وتناول الحلوى كوسيلة للهروب من الانزعاج. لهذا لا عجب أن ترى شخصًا مرموقًا، مثقفًا أو ذا مركز اجتماعي مهم، يفقد توازنه مؤقتًا أمام علبة شوكولاتة أو قطعة كيك. فالمكانة لا تحصّن الإنسان من نقاط ضعفه النفسية، ولا تقيه من الحنين إلى الطفولة، حيث كانت الحلوى رمزًا للحب والمكافأة والانتماء.
هذه الظاهرة تطرح سؤالًا مهمًا: هل نحن أحرار فعلًا في اختياراتنا الغذائية؟ أم أن هناك قوى نفسية داخلية تدفعنا، وتُضللنا عن الوعي الحقيقي بما نستهلك؟ وهل يمكن اعتبار هذا التهافت شكلاً من أشكال الهروب من الذات، أو تعبيرًا لا شعوريًا عن الاحتياج إلى دفء مفقود أو حب غير مشبع؟
المسألة لا تقف عند حدود الصحة الجسدية وتأثير السكر على الجسم، بل تتعداها إلى الصحة النفسية والاجتماعية، فحين يتحول الإنسان إلى كائن يتغذى على اللذة الفورية، يفقد تدريجيًا قدرته على الصبر، وعلى التلذذ بالحياة العميقة، وعلى بناء علاقة متوازنة مع ذاته. وهنا تصبح الحلوى رمز حالة أوسع يعيشها الإنسان المعاصر: البحث المستمر عن إشباع سريع، وهروب دائم من الألم، وعطش لا ينتهي للحظة “الآن”، حتى ولو كانت مغلفة بورق لامع من السكر.
إذا تأملنا هذه الظاهرة من منظور فلسفي أو وجودي، قد نرى فيها تمثيلًا دقيقًا للقلق الوجودي الذي يعيشه الإنسان في العصر الحديث. إنه القلق من الزمن، من الوحدة، من المعنى، من الفراغ الداخلي، وكلما اشتد هذا القلق، بحث الإنسان عن مهدئات سريعة، والحلوى واحدة منها. لذلك فإن ظاهرة التهافت على السكر ليست تافهة كما يظن البعض، بل هي مرآة لواقعنا النفسي، وحاجتنا الماسّة إلى التصالح مع ذواتنا، ومعنوياتنا، وأعماقنا.
للاإيمان الشباني







































Discussion about this post