الكتابة النّابعة من الوجدان سرعان ما تحرّك القلوب والأقلام .. هذه صديقتي الشّاعرة الفنانة الرّقيقة سليمى السّرايري Souleyma Srairi فراشة السّاحة الأدبيّة والمشرفة على صالون السّرايا تسجّل تفاعلا عميقا وتقديرا مشرّفا لقصيدتين كتبتُهما بمداد القلب ..
فكتبت حول قصيدة * بكاء المحفظة :
صديقتي كوثر بلعابي،
لقد أعجبني حقًا نصّك الّذي يأخذنا في رحلة شاعريّة عالية. نصّ صادق لدرجة أنّني كدت أشاهد دموعك تبلّل الورقة. فهو يتميّز بطابعه الحزين الّذي يعبّر عن الألم والفراق، ويظهر بشكل واضح تأثير إهمال صيانة وترميم مدارسنا، ممّا يجعل أبناءنا التّلاميذ ضحايا للغفلة. فرغم النّبرة المليئة بالألم التي تنبعث من بين كلماتك، إلّا أنّ القصيدة غنيّة بالمفردات الّتي تمثّل مشاعرك العميقة، فأسهمتْ في خلق تحفة شعريّة فريدة من حيث التّركيب اللغوي والتّنويعات، مما أضفى على النّصّ جماليّة وبصمة خاصّة تميّزه.
شدّتني كثيرا هذه العبارات مثل “سقط الجدار” و”صدى الأماني المتفتّحة” تجسّد الأحداث بشكل يُظهر التدهور والخراب. كما أنّ قولك “شهادةٌ من دم” و”طفل شهيد” يعزّز من مشاعر الفقد والمعاناة.
فعلا، يتناول النّصّ مشاعر الحزن العميق والتّعاطف مع هؤلاء التّلاميذ الّذين فقدوا حياتهم بسبب غياب صيانة الفصول، خاصّة في ضوء تجربتك كأستاذة، مما يجعلك أكثر إحساسا تجاه هذه الكارثة.
أشاركك هنا جمال الكتابة وحزن الفقد، فطوبى لمشاعرك النّبيلة.
وكتبت قبلها حول قصيدة * وشم جدّتي * :
قراءة في قصيدة “وَشْمُ جَدّتِي”
للشاعرة التونسية كوثر بلعابي
بقلم سليمى السرايري
من الوهلة الأولى نلمسُ هذا الحبَّ الكبيرَ الّذي ما زال ينبضُ في قلبٍ الكاتبة نحو جدّتها كما نلمسُ أنّ الجدّةَ امرأة صالحة ومتديّنة وهي تبدأُ يومها بالدّعاء والصلاة.
تَشْرَعُ في الوُضُوءِ خَاشِعةً
تُشْرِعُ نَوافِذَ يَوْمِهَا بَالحَمْدِ والتّسبِيحِ
القَصِيدَةُ تَعتَمِدُ عَلَى ذِكرَيَاتِ الشاعرة كوثر بلعابي وَعَلاقَتِها الحَمِيمِيَّةِ بِجَدَّتِهِا، مِمَّا يُضفِي عَلَى النَّصِّ لَمسَةً عَاطِفِيَّةً قَوِيَّةً وَمُؤَثِّرَةً يستسيغها القارئ وتشدّه العبارات الصادقة المنبعثة من قلب يحمل شوقا كبيرا لجدّته.
كما يَحمِلُ النَّصُّ طَابِعًا عاطفيا يُبرِزُ فِيهِ الدَّورَ الرُّوحِي وَالتَّارِيخِي لِلجَدَّةِ. فَهِيَ لَيسَت مُجَرَّدَ شَخصِيَّةٍ أُسرِيَّةٍ، بَل تُمَثِّلُ امتِدَادًا لِلهُوِيَّةِ وَالتَّقَالِيدِ.
تَظهَرُ الجَدَّةُ فِي القَصِيدَةِ كَرَمزٍ لِلطِّيبَةِ، الحِكمَةِ، وَالقُوَّةِ. استِخدَامُ “ابتِسَامَةٍ رَاضِيَةٍ مَرضِيَّةٍ” وَ”شُمُوخِ وَقفَتِهَا” يَعْكِسان احتِرَامَ الشاعرة وَتَقدِيرَها لِدَورِهَا الرُّوحِيِّ وَالاجتِمَاعِيِّ.
قد ركّزتْ الكاتبة على الوشم، والوَشمُ هنا أعتبره كَرَمزٍ لِلهُوِيَّةِ:
فهو لَيسَ مُجَرَّدَ زِينَةٍ، بَل رَمزٌ لِلانتِمَاءِ.
تربِطُ الكاتبة بَينَ وَشمِ الجَدَّةِ وَامتِدَادِ تَأثِيرِهَا فِي نَفسِهِا وَفِي الوَطَنِ، مِمَّا يُعَكِسُ البُعدَ الثَّقَافِيَّ وَالاجتِمَاعِيَّ العَمِيق لِلوَشمِ فِي التُّرَاثِ العَرَبِيِّ.
” ووَشْمِهَا المَرسُومِ عَلَى مِقْبَضِ السَّيفِ “
أو:
“جَدّتِي لَمْ تَكُنْ تَعْرِفُ وَقْتَهَا أنّ وَشْمَهَا
سَيَظَلُّ عَالِقًا فِي خَبايَا الرُّوحِ بَعْدَهَا”
كما أشارت هنا:
“فِي الوَشْمِ الأخضرِ المَرقُومِ
يَلُوحُ مِن تَحتِ لِمَاهَا
وعَلى الخَدِّ المَليحِ”.
كمَا تُشِيرُ الكاتبة إِلَى أَنَّ الجَدَّةَ كَانَتِ امرَأَةً مُتَدَيِّنَةً، تَربِطُ حَيَاتَهَا بِالرُّوحَانِيَّةِ وَالتَّفَانِي لِلَّهِ، وَهُوَ مَا يُعطِيهَا بُعدًا رُوحِيًّا يُعَزِّزُ مِن تَأثِيرِهَا الإِيجَابِيِّ عَلَى حَيَاةِ الشّاعرة حفيدتها الكاتبة.
يُشِيرُ النَّصُّ أيضًا إِلَى عَبَثِ الوُجُودِ حِينَ نَبتَسِمُ لِلصُّوَرِ الَّتِي تُذَكِّرُنَا بِالمَاضِي، ثُمَّ يَعودُ الزَّمَنُ وَيُوقِظُ فِينَا مَشَاعِرَ الحُزنِ وَالشَّوقِ.
هُنَاكَ إِحسَاسٌ بِالحَنِينِ لِلأَوقَاتِ الجَمِيلَةِ الَّتِي وَلَّت، وَالتَّأمُّلِ فِي تَأثِيرِ الزَّمَنِ عَلَى الذِّكرَيَاتِ.
القَصِيدَةُ تَجمَعُ بَينَ الفَرَحِ الَّذِي كَانَتِ الجَدَّةُ تَبُثُّهُ فِي حَيَاتِهَا نحو أحفادها والمحيطين بها وَبَينَ الحُزنِ الَّذِي يَسِيطرُ عَلَى الشّاعرة بَعدَ فَقدِهَا لمنبع هذا الحنان الكبير.
هَذَا التَّنَاقُضُ يُعَزِّزُ الشُّعُورَ العَاطِفِيّ العَمِيق بِالنَّصِّ.
أُسلُوبُ الكاتبة كوثر بلعابي فِي النَّصِّ سَلِسٌ وَعَاطِفِيٌّ، يَعْكِسُ الشَّجنَ وَالارتِبَاط العَاطِفِيّ بِالجَدَّةِ والاعتمَادَ عَلَى الرَّمزِيَّةِ وَالأَلفَاظِ المُوحِيَةِ مِثلَ “العِطرِ”، “الوَطَنِ الجَرِيحِ”، والوشم” يَخلِقُ إِحسَاسًا بِالاستِمرَارِيَّةِ وَالانتِمَاءِ الَّذِي لَا يَزُولُ.
بهذه الطّريقة قرأتُ أو تعرّفتُ على هذه القصيدة.
أودّ أن أقول للشاعرة كوثر بلعابي إن أسلوبك نقيّ وعميق، وقد أعاد إلى ذاكرتي صورة جدّتي وأثار فيّ مشاعر الحنين إلى تفاصيل كثيرة…
–
سليمى السرايري
تونس







































Discussion about this post