عباءة السّواد
أيّها اللّيل المعتكف في السّواد، المكسور الجناح، العازف على ناي الصّمت والسّكون، يحزّ في قلبي أن أنصت لدويّ أنينك ويزعجني انعكاس صداه،…
آهاتك الثّقيلة المنبعثة من عمق كيانك تشقّ العباب ، كالرّعد تنطلق مدويّة تهزّ فرائصي وتهزّ الأرض، وكأنّها البرق يمزّق رداء السّماء، …
أعرف يا ليل أنّك وحيد وحزين، وأنّك تواري أشجانك تحت عباءة السّواد الحالكة، وتختفي إثر كلّ غروب شمس عن الأحداق، خوفا من مقدّم الظّلام، ومن سكون الطّريق ووحشة الفضاء، وحمحمة السّكارى،وأعرف أنّك ترتعد بردا وخوفا في فصل الشّتاء، تخشى ضبابه الغاشم، وساعاته السّرمديّة الطّويلة، الموغلة في المجهول، وهواءه اللافح، وصفير رياحه المزعجة، وأزيز الأبواب المهترئة، وطقطقة الشّبابيك المتآكلة المصابة بالسّوس والّتي تزعج أسماع من هم في اليقظة والموغلين في الأحلام ، الغارقين في السّبات ،..
وأعرف أنّك تستنجد بالقمر والنّجوم، لتؤنسك في وحدتك، وتخفّف من غربتك وإحساسك بالوحشة، فترتمي في أحضان الغيوم، لتغتسل من أدران الوقت ودمار العصر وتتطهّر من ذنوب النّهار، وما اقترفته وتقترفه أيادي الأبالسة الطّويلة والكثيرة، عسى أن يطلع فجر ويلوح نور ، فيخفّ حملك الأسودُ قليلا، ويصافحك بعيونه النّاعسة الصّباح، ويعانقك بوجهه الوضّاح، ويحضنك الضّياء، والشّمس تلثم ضفائرك الليلكيّة، جاعلة من خيوطها عرائش ياسمين وأعناب، فوقها تحطّ الفراشات ومن حولها تحوم طيور شاديات، وتدعو الكون ليغمرك بالدّفء والحبّ والجمال… وشيئا فشيئا تخلّصك من عباءتك السّميكة السّوداء، وعنك تنزع غشاوة الحزن والدّماء، فتجري راكضا نحو الحياة ناسيا طغيانها والظّلمات، متحرّرا من كيّ الجمرات ولدغات العقارب والزّواحف والحشرات رفيقة الغدر والخيانات…
ليته يحدث ذلك ولو لبضع السّاعات…
سونيا عبد اللطيف
قليبية ، تونس 10/ 03/ 2025







































Discussion about this post