واحة الصائمين
[ الحلقة الثامنة والعشرون ]
أحوال الصحابة
في ختام رمضان
ها نَحن نُودِّع رمضانَ المبارك بنَهارِه الجميل ولياليه العطرة، ها نَحن نُودِّع شَهْرَ القرآن والتَّقْوى والصَّبْر والرحمة والمغفرة والعتق من النار… وأنتم تذكرون في أولِ جُمُعة من هذا الشهر المبارك يومَ أن وَقفنا وقلنا: مرحبًا بك يا رمضان، مرحبًا بك يا شهر القرآن، وها نحن اليوم وفي آخر جمعة من رمضان نقف لنودِّعَه، ونقول له: السلام عليك يا شهرنا الكريم، السلام عليك يا شهر رمضان، السلام عليك يا شهر الصيام، والقيام، وتلاوة القرآن… السلام عليك يا شهرَ التَّجاوز والغُفْران، السلام عليك يا شهر البركة والإحسان، السلام عليك يا شهرَ الأمان، كنت للعاصين حبسًا، وللمتقين أنسًا، السلام عليك يا شهر الصيام والتَّهَجُّد، السلام عليك يا شهر التراويح، السلام عليك يا شهر الأنوار والمصابيح.
يوشك على الرحيل، والأيام المباركة تمضي سريعًا، وكأنها لم تكن إلا لحظات عابرة في ختام هذا الشهر، تقف القلوب بين الخوف والرجاء، تتضرع إلى الله أن يكون قد تقبل منها الصيام والقيام، وأن تكون ممن فازوا بليلة القدر والعتق من النيران.
☆ صحابة النبي ﷺ في ختام رمضان، لم يكونوا ينظرون إلى أعمالهم بعين الرضا، بل كانوا رغم عبادتهم العظيمة يتذللون إلى الله، خائفين من عدم القبول. كانوا يصومون صيام خواص الخواص، صيام القلب والجوارح، لا مجرد الامتناع عن الطعام والشراب، ومع ذلك، كان الخوف من رد العمل هو المسيطر عليهم.
—
أبو بكر الصديق رضي الله عنه… الوجل من الله
كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وهو خير الصحابة وأقربهم إلى رسول الله ﷺ، إذا جاء ختام رمضان، غلبه البكاء والخشوع، وكان يقول:
“والله لو أن إحدى قدمي في الجنة، والأخرى خارجها، ما أمنت مكر الله.”
كان يعلم أن القبول بيد الله، وأن الطاعات تحتاج إلى إخلاص، لذا كان يتوسل إلى الله في الأيام الأخيرة من رمضان قائلًا:
“اللهم تقبل منا صالح أعمالنا، وتجاوز عن سيئاتنا، ولا تردنا خائبين.”
—
عمر بن الخطاب رضي الله عنه… الخوف من عدم القبول
كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه شديد الخوف من الله، كثير البكاء عند ختام رمضان. كان يردد دائمًا قول الله تعالى:
﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ﴾ (المؤمنون: 60).
وعندما سُئلت عائشة رضي الله عنها عن هذه الآية، قالت:
“هم الذين يصومون ويصلّون ويتصدقون، وهم يخافون ألا يُتقبل منهم.”
وكان عمر رضي الله عنه يقول عند وداع رمضان:
“لو علمت أن الله تقبل مني سجدة واحدة، لكانت أحب إليّ من الدنيا وما فيها!”
—
علي بن أبي طالب رضي الله عنه… من المقبول فنهنيه؟
كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه شديد التأثر عند وداع رمضان، وكان يقول:
“يا ليت شعري، من المقبول فنهنيه، ومن المحروم فنعزيه!”
إنها كلمات تعكس الهمّ الأكبر للصحابة: هل تقبل الله صيامهم وقيامهم أم لا؟ لم يكن همّهم فقط أداء العبادات، بل كان همّهم الأعظم هو القبول، فكم من قائم وصائم لا يُرفع له عمله!
—
عائشة رضي الله عنها… دعاء القبول في ليلة القدر
كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حريصة على الدعاء والعبادة، وقد سألت النبي ﷺ:
“يا رسول الله، إذا وافقت ليلة القدر، فبمَ أدعو؟”
فقال لها: “قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني.”
وفي ختام رمضان، كانت تبكي كثيرًا، وتقول:
“يا ليتني أعلم، أفيمن قُبل فُهنّيه، أم فيمن رُدّ فُعزّيه؟”
—
أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه… الإخلاص والخوف من الرد
كان أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه، أمين هذه الأمة، نموذجًا في التواضع والخوف من الله، فكان يدعو في ختام رمضان قائلًا:
“اللهم تقبل منا، ولا تردنا خائبين، فإنا لا نطيق عذابك، ولا غنى لنا عن رحمتك.”
—
زيد بن حارثة رضي الله عنه… حب الطاعات والأنس بها
أما زيد بن حارثة رضي الله عنه، فكان من أشد الصحابة تعلقًا بالطاعة، وكان يبكي في وداع رمضان ويقول:
“يا رمضان، إن كنت سترحل، فاشهد لنا عند الله، أننا كنا فيك صائمين قانتين.”
—
عبدالله بن مسعود رضي الله عنه… الخشوع في الدعاء
كان عبدالله بن مسعود رضي الله عنه شديد الخوف من الله، فإذا انتهى رمضان كان يدعو قائلًا:
“اللهم إن كنت كتبتنا في أهل الجنة، فثبتنا، وإن كنت كتبتنا في أهل النار، فامحنا، واكتبنا في أهل الجنة.”
—
كيف نودع رمضان كما ودعه الصحابة؟
✦ بالدعاء والرجاء أن يكون الله قد تقبل منا.
✦ بالمداومة على الطاعات، فلا نجعل رمضان مجرد محطة مؤقتة.
✦ بالاستمرار في قراءة القرآن والقيام والصدقة.
✦ بالتضرع إلى الله أن يُبلّغنا رمضان القادم ونحن في حال أحسن.
اللهم اجعلنا من المقبولين، ولا تجعلنا من المحرومين، واغفر لنا ما قصرنا فيه من حقك، وأعنا على طاعتك بعد رمضان، كما أعنتنا عليه في رمضان.
ترقبوا الحلقة القادمة من “واحة الصائمين”!
وكل عام وأنتم بخير
Discussion about this post