العربية المفترَى عليها
بقلم: دكتور رجب إبراهيم أحمد
لغتنا من ديننا، فهي لحمنا ودمنا، لغتنا عزنا وشرفنا( كم عز قوم بعز لغات).لذا ربنا جل وعز ختم الرسالات بأكمل كتاب؛ ولذا اختار لها أكملَ اللغات؛ فالعربيةُ كمال وجمال، جلال ودلال ، بيان وتبيان، لسان وسلطان، حلاوة وطلاوة، تستحوذ على مسامعك ومجامعك عند التلاوة.
ولدت العربية كبيرة ، فلم تمر بما مرت به اللغات من مراحل طفولة وشباب وشيخوخة، لغة لا يحيط بها إلا نبي ، لغة واسعة شاسعة غنية فتية أبية عصية ، لم يؤثر فيها معاول الهدامين، ولا تراب الرادمين.
العربية صاحبة أوسع مدرج صوتي عرفته اللغات قاطبة، فلا عيوب ولا هجنة ولا لكنة ولا عجمة ولا تلعثم .. حروفها واضحة جلية، وأصواتها عذبة بهية، فهي ليست فقط لغة بل هي هوية وانتماء والتزام.
العربية هي اللغة الوحيدة التي تمنح الجنسية لكل من يتكلم بها.
هذه شهادة الأرض تؤديها صامتة، فيكون صمتها أبلغ في الدلالة من نطق جميع الناطقين، ثم يشرح هذه الشهادةَ الواقعُ، ويفسرُها العيان الذي لم تحجبه بضعة عشر قرناً من الزمان. إنها حقائق تاريخية ناطقة ينبغي الوقوف أمامها في كل مكان وزمان.
إن العربية أصبحت معيارا تقاس عليها جميع لغات بطون العرب، فيقال لغة شاذة ..لغة نادرة ..لغة قليلة. ذابت فيها جميع اللهجات ولكناتها. فأصبحت سيدة لهن جميعا، وكلهن لها وصيفات. ولقد وجدنا لغات كثرة تكتب بحروف العربية منها: الهندستانية- الأوردية- البنجابية – الفارسية – الكوموكية في أوربا. ولها تأثيرها الملموس والواضح في لغات أخرى، ومنها:الكلمات العربية في الأسبانية تعدل ربعها،وفي اللغة البرتغالية تقدر بثلاثة الآف كلمة،وفي الفرنسية بـسبعمائة كلمة، وفي الإنجليزية بألف كلمة.
إن العربية بريئة تماما مما ألصقت به من تهم من مثل: معقدة – صعبة- عسيرة..، فقد درسناه صغارا بعقدها، وكلما طرقها الناس فتحت لهم أبوابها، فمن يبادر ولا يغادر؟
العربية هي أثرى اللغات؛ حيث يُرى عوار اللغات الأخرى عند الترجمة، التي لا تفي مفرداتها وتراكيبها وأساليبها بما عليه العربية، فيضيع كثير من الجمال والإعجاز وخلافه.
والداهية الدهياء أنهم استطاعوا أن يجعلونا في غربة مع لغتنا، وتركوا بقية المهمة لأهل اللغة أنفسهم…فما لم يفعله الاستمعار ..فعله فينا الاستحمار.
ومع ذا فما زالت الرصافة منبت حصافة، وما فتئنا نلمح وراء كل داجيةٍ نجماً يُشرق ونسمع بعد كل خفتة صوتاً يخرِق، يهدي الحائر إلي مخرج..
فإن رمي الليل بظلمائه
فوق الروابي واعتزي بالرياح
وصار كهفاً مرعباً مظلماً
فبشر الدنيا بنور الصباح
جيث يتزايد الإقبال على تعلم العربية في أوربا؛ ولن تجد جامعة الآن في الدنيا إلا وفيها قسم للغة العربية.
كانت العربية قديما لغة العلم أي اللغة العلمية؛ فكان لزاما على كل طالب أوربي أن يتعلمها أولا ليتمكن من دراسة الطب والهندسة في جامعات الأندلس في أشبيلية وغرناطة وطليطلة .فكيف يمكن أن نرميها بأنها غير قادرة على الوفاء؟!
لقد مرت العربية بمنعطفات كثيرة وخطيرة، ولا زالت تمر بصراعات لغوية عنيفة، وحروب طاحنة لا هوادة فيها، تكشر لها الأنياب، ويخلع لها كل باب، وتمنع لإنجاحها الأسباب، وتشوه منها الصورة، وتُبطّىء المسيرة، وتمنع السيرة، وتحاول لجذورها الاقتلاع وللناس عنها الإقلاع ، ولكن هيهات هيهات، نعم الآن تكثر عليها الآهات والتأسفات، ولكن سيأتي يوم تكثر فيه الفتوحات ..
ولايمكن أن ننسى ما تعرضت له من حملات المغول والصليبين، ثم نابليون، ثم المستشرقين،ثم مؤتمرات باريس، ثم الأمركة والفرنسة والأسبنة، والطلينة، والألمنة…، والمثل اليوم قائم في فلسطين ومحاولة اليهود العبرنة والتهويد لكل شىء، وتعليم المهاجرين العبرية مع اختلاف جنسياتهم لتكون اللغة واحدة هناك؛ فيضطر العرب إلى تعلمها لتسهيل حياتهم وتمشية أمورهم… ولكن إن كنت ريحا فقد لاقيت إعصارا!
Discussion about this post