يفترش البوراك صدر مائدة رمضان الجزائرية، “مدلّلا” بين أنواع الأطعمة من شربة وحريرة وطاجين جبنٍ، وكأنه يقول لها “لن يستلذ أحد طعمكم إلاّ في حضرتي.. إلا وهو يقضم مني قضمة قبل أن يرتشف منكم رشفة أو يحتسي حسوة.. أنا سيد المائدة ومدلّلها”.
يحرص الجزائريون على أن لا يغيب البوراك عن موائدهم في الشهر الفضيل، ويعتقد بعضهم أنه “اختراع” محلي خالص ونادر، لكن الحقيقة ليست كذلك.. فالبوراك – مثلما يقول الباحث الجزائري فوزي سعد الله – سيد الموائد منذ قرون خلت. فما قصته؟
بوراك جزائري مُنفتح
يقول سعد الله في مقال بعنوان ” في فقه البوراك وأصول حشوه باللُّحوم والأجبان والأسْماك”، إن البوراك “ليس غريبا عن عوالم الفلاسفة الكِبار كأفلاطون وأرسطو وبعدهم الفارابي والغزالي وابن رشد وابن طفيْل، لأنه على بساطته يرافق موائد البشرية منذ آلاف السّنين”.
ويضيف “رغم كل قدره وجلاله فإن البوراك ليس سوى أُكْلة لفتح الشَّهية والانطلاق في الأكل بِنَهَم، لاسيَّما خلال الإفطار حول موائد رمضان. وباستثناء فترة شهر الصِّيام، قد يُكرِّمُه البعض للرَّفع من شأنه ومقامِه بتحويله إلى الوجبة الرئيسية الدَّسمة عند الغداء أو العشاء بعد البدء بسلاطة من السَّلاطات التي ورثناها عن أجدادنا في الأندلس والمغرب الإسلامي والمشرق، وما بعد المشرق، مثلما هي مُصَنَّفة في عِداد البَوَارِد في (فضالة الخوان من طيبات الطعام والألوان) لابن رزين التُّجيبي الأندلسي وفي (كتاب الطبخ) لابن سيَّار الوَرَّاق البغدادي و(كتاب الطبيخ) لمحمد بن حسن البغدادي”.
والبوراك في الجزائر، منفتح على مَن يرغب في إثرائه بلمسات تُكيِّفُه مع الأذواق والعادات الغذائية لمختلف الحواضر والبلدات والأرياف؛ فهو في العاصمة، مدينة سيدي عبد الرحمن الثعالبي، محشو أساسا باللَّحم المَفْروم المتوبَل وبالبقدونس أو حتى بلحم الدجاج. وفي مدينة عَنَّابَة، في شمال شرق البلاد، يُفسِح في جوْفِ البوراك اللّحمُ المفروم المتوبَل، مضطرا، هامشًا البلاد الجزائرية منذ العهد العثماني، على الأقل، ويُحتمَل جدا أن انتشاره جاء مع العثمانيين الذين انضوتْ الجزائر تحت رايتهم في أعقاب سقوط غرناطة عام 1492م”.
وتتمثل مكونات “البوراك” في “الديول”، وهي رقائق عجينة شفافة وخفيفة مصنوعة من السميد (الطحين)، يتم حشوها.
ويقدم “البوراك” في أشكال مربعة أو مستطيلة أو دائرية أو مثلثة، حسب الذوق وتقاليد طهيه في كل منطقة.
وفي العاصمة الجزائر والمحافظات المحيطة به، مثل البليدة (غرب العاصمة) وبومرداس (شرق)، يطهى “البوراك” في شكل دائري.
يرجع البعض أصل “البوراك”، المنتشر في الجزائر وبقية دول المغرب العربي، إلى الوجود العثماني في الجزائر (1509: 1830).
وكلمة بوراك “börek” هي كلمة تركية، وتعني “فطيرة”، وقد ورثها الجزائريون عن الدولة العثمانية، كما ورثوا كلمات لأكلات معروفة، مثل “الدولمة” و”البقلاوة”.
عن الأنترنت بتصرف
حجاج أول عويشة الجزائر 🇩🇿
Discussion about this post