اعترافات رجلٍ مُهمَّش
لم أَحمِلْ سلاحًا
لأُطلِقَهُ على قلبِ الطّاغيةِ وأُسَدِّدَ طَلْقَتي الأخيرة.
1
لم أقفْ على خشبةِ مسرحٍ
أُؤدِّي دَورَ شجرةٍ
تطلبُ من النّجَّارِ أن يُعيدَ يدَ فأسِه لتعاتبَ ابنَها:
(كيفَ يَنْقَضُّ على رِقابِ إخوتهِ مثلَ نَمِرٍ وَحْشي؟)
2
لم أَعبرْ مُدنًا،
كنتُ مثلَ الّذي بلا ساقٍ
جلستُ هنا تحتَ جدارٍ مائلٍ، فتسلَّقَتْني عشبةُ (العُليقِ).
صارَ جسدي خَشَبَةً
تتسلَّقُه الأعشابُ إلى الأعلى.
3
لم أَكنْ طفلًا ذَكيًّا في مادَّةِ الجغرافيا،
تسألني المعلّمةُ كلَّ يومٍ:
ما شَكلُ الأرض؟
فلم أُجِبْ،
تَنهالُ عليَّ
وتتركُ لي أَثَرَ عصًا،
على الأرجحِ كانت تُساعدُ أبي على السّير.
وفي الصَباح،
رأيتُ أطفالًا يلعبون،
يَقذِفونَ كرّةَ شَرابٍ،
قلتُ للمعلّمةِ:
الأرضُ دائريَّةٌ ككرةِ الشَّرابِ،
بوسعي أن أَقذِفَها بكلِّ قُوَايَ إلى الجحيمِ
لأَنتهي من حصَّةِ الجغرافيا إلى الأبد.
4
تُربِكني الألوانُ:
البحرُ بلا لونٍ،
لكنَّ السَّماءَ زرقاءُ.
الأشجارُ بلا لونٍ،
لكنَّ الرّبيعَ أَخضرُ.
الصّحراءُ بلا لونٍ،
لكنَّ الرّمالَ صفراءُ.
أنا بلا اسمٍ،
لكنَّ أبي تَرَكَ لي كلبًا وَفيًّا
يَتبَعُني حتّى القبر.
5
لم أَعزفْ على عُودٍ،
ومن فَرْطِ ما أُحِبُّه،
كتبتُ وَصيَّتي:
(بعدَ موتي، اصنعوا من شراييني أَعوادًا كثيرة).
6
لم أسألِ الّذينَ تَرَكوا بلادَهم مثلَ بيتٍ مهجورٍ:
كيفَ وَجَدتم بلادَكم في بلادٍ أخرى؟
7
لم أَشترِ حذاءً جديدًا،
لكنَّ حذائي مَلَّني،
في الصّباحِ
وَجدتُهُ مقلوبًا،
يأبى مُرافَقَتي إلى العمل.
8
الطّريقُ يَعرِفُني من حذائي القديم،
لكنِّي الآنَ بلا حذاءٍ،
فهل يَعرِفُني؟
9
بوسعي أن أطيرَ،
لكنَّ ذِراعَيَّ، من فَرْطِ التّلويحِ،
نَقَلَتْ حمامةٌ عُشَّها إليهما
ووَضَعَتْ بَيْضَها.
10
الَذي تَرَكَ طفلَهُ تحتَ عَمودِ الإنارةِ
يبيعُ (الجَرجيرَ) ورحَلَ،
كان أنا.
كلُّ ال
الّذين اشتروا منهُ
أصبحوا زهورًا على أَبوابِ قُبورِهِم.
11
كانَ مَلاكُ الموتِ يُفَتِّشُ في القَريةِ عنِّي،
فخَبَّأني أحدُ الرُّعاةِ بين أَغنامهِ،
وعندما شَعَرتُ بفَرحةِ الانتصارِ،
كانَ طفلي (صُبَّارًا) على قبرِ أبي.
12
لم أُطالِبْ يومًا
برحيلِ بَهلوانٍ عن كرسيِّهِ،
كنتُ حزينًا
لأنَّ أبي ماتَ،
وأُمِّي لم تَستطعْ شراءَ حلوى من أَجلِ العيد.
13
لم أَتَبَرَّعْ يومًا،
من فَرْطِ فَقْري،
لكنِّي أَملكُ عُمرًا،
استهلكتُ القليلَ منه،
مَن يُرِدْهُ فَليأتِ إليَّ
في مَحلِّ (كارمن).
بهاء جمعة
Discussion about this post