زغاريد الموت
القصة الفائزة بالمركز الخامس
بقلم/ سعيدة شبّاح
ارتجف المصدح في يدي، تواترت دقات هذا القلب المتشظي و تحجرت دموع الحرقة في عيني، و بصوت مشروخ قلت: انطلقت زغاريد الفرح و ارتفعت معزوفة الترحيب بالعروس المختالة في لباسها اللبني المرصع بالعقيق الناصع حين أضيئت شاشة هاتفي الملقى على الطاولة أمامي.
الصخب الكبير يمنعني من سماع صوت شقيقتي التي تأخرت عن حضور حفل زواج ابن شقيقنا.
لم أعر الأمر أهمية فهي قادمة لا محالة.
رقص و معازف و حلويات توزع و وجوه باسمة سرعان ما بدأ بعضها يكفهر.
شيء ما يحدث و الأجساد الراقصة بدت كعرائس بلا روح تحركها أياد و تدفعها دفعا إلى إتيان فعل ما.
كان الليل وحشا كشر عن أنيابه و أنا أهرب إليه و الدمع يفيض من عيني و من روحي التي مزقتها الحقيقة المروعة.
تعثرت ، تضورت وجعا، تلاشيت في ظلمة الليل و الألم.
لقد صعدت روح إيناس الى خالقها وهي بكامل زينتها تستعد لحضور حفل زواج إبن خالها.
باغتها الموت و هي في ميعة العمر و تلقت شقيقتي الصدمة حين ذهبت إليها تحثها على الحضور فوجدتها جثة هامدة.
هناك تسجى إيناس و حولها صرخات أم ثكلى و أب ملتاع، و في الجانب الآخر من الصورة أصوات موسيقى تنتحب حول خيالي الهارب في تخوم الليل الداجي.
أنا الروح الهائمة تتلمس طريقها نحو اللاشيء، و الطيف المثخن بالطعنات يركض بلا هدف ، أشرب دمع الفجيعة و أتخبط في دياجير الحزن و لا أجد لي مكانا بين موسيقى الزفة التي كالخراطيش تنهال على جسدي المنهك، و بين أصوات نواح بعيد يمزق نياط قلبي.
ماتت إيناس الشابة السمراء ذات الإبتسامة الخجولة، انهدم كيان و تبعثرت أحلام و جفت جداول و أنهار.
حدث جليل هز المدينة التي تبادل سكانها الخبر بكل أسف و حزن بيد أن المعازف لم تتوقف.
العرس مستمر و الأجساد تتلوى كالحيات، لا أحد كان جديرا بلحظة حياة متوهجة تلغي الصورة التي تثير الغثيان.
لا أحد كان جديرا بنيل رتبة السمو و الرقي حيث لم تخرس المأساة أصوات المزامير العاوية.
غناء و نواح….
رقص و دموع….
عروس بلباسها اللبني المضمخ بالعطور….
جسد مسجى و قد ترك الحياة إلى الأبد….
مضت أشهر قليلة و مازلت لا أستوعب تراجيديا ليلة الوداع و الحزن و الزغاريد.
مضت إيناس إلى قبرها الرخامي تحرسه شجرة زيتون و بقي قلبي ينزف ملتهبا ينبض حسرة و أسفا ، و موسيقى جنائزية تصدح حولي فأهرب إلى اللاشيء و اللاوجود.
سعيدة شبّاح
Discussion about this post