يوم وفاتي من مذكّراتي
بقلم/ عايدة قزحيّا
لأوّل مرّة لا أتأفّف..
لا أتأثّر..لا أتضجّر..لا أتذمّر..
لأوّل مرّة أفقد الإحساس والشّعور ..
لأوّل مرّة لا أحزن ولا أبكي..
لأوّل مرّة لا أشعر بالكآبة لأوّل مرّة عقلي يتوقّف عن التّفكير بالمصير..
يا لروعة الشّعور!
أنا الآن في استراحة تامّة خالية من العادات البيئيٌة والتّقاليد الاجتماعيّة..
لا تهنئة بِعيد
ولا تعزية بشهيد..
لا مشاركة بأفراح أو أتراح.
لن تضايقني ياقة عنقي
ولا حذائي الرّسميّ.
يكفيني اطمئنانًا أنّني لا أخاف من عدوى مرض، أو من دخول مشفى، لا من غلاء أو سعر دواء، ولن يرعبني أيّ ابتلاء..
لا أرهب الحروب
ولست مضطرًّا للهروب.
لم يعد عندي هموم، لا أقساط مدارس ولا إيجار سكن، لا فواتير ماء ولا فواتير كهرباء، لا تشريج هاتف خلوي، أو هاتف أرضيّ، لا بدل تنقلات، ولا بدل إيجارات.
ارتاح بالي وهنُؤَ حالي من تقلّبات الفصول..
لا تأمين تدفئة أو تبريد..
ولأوّل مرة لا أحد ينافسني، ولا أحد يحسدني، أو يناقشني أو يجادلني، لا أخشى لومة لائم، أو لؤم ظالم.
الحشد غفير
والدّمع غزير
وأنا ألتزم الصّمت
لاشهيق ولا زفير
كلّهم يسير في موكب مهيب
وأنا وحدي الملك السّعيد.
كلّهم يرتدون الأسود ووحدي يغمرني الورد الأبيض، وتنبعثُ منّي رائحة العطور والزّهور.
تقدّم الرّجال كالأبطال في رفع الأثقال من صندوقٍ خشبيّ مزخرف مصنوع من ضلوع الأشجار وهي الّتي آخر مَن يعانقني ويحضنني..
حملوني بتؤدّة وهدوء،
وراح الأحبّاء والأقرباء والأصدقاء يولولون، وينادون بأعلى أصواتهم، يخاطبونني ويحمّلونني سلامهم أمانة إلى أعزّائهم وأهلهم وذويهم وكلّ مَن سبقني في رحلتي المجهوليّة الأبديّة.
إنّه يوم مميّز لطالما نزلت إلى الشّوارع مشاركًا في مظاهرات عديدة مطالبًا بالحرّيّة، ولم أحصل عليها كما نلتها الآن، لقد خرجت من المشفى دون أنْ أدفع تكاليفها..
يا لَلروعة!
لأوّل مرّة أشعر بالأمان، أخرج دون هُوّيّة أو أيّ بطاقة تُعرِّف بِيَّ، يتهادى بِيَ نعشي
كأنّني ملكٌ على العرشِ.
لا أعلم ماذا ينتظرني، ولكن ما أنا متأكّدة منه أنّني لن أكونَ أسوأَ حالًا!.
الحمدلله
لقد تركت الدّنيا وأنا لا لِيَّ ولا عليَّ.
“يوم وفاتي من مذكّراتي”
عايدة قزحيّا
Discussion about this post