معرب الثقافات
مدينة من بلدي (تافيلالت )
تعد منطقة تافيلالت من أبرز المناطق التاريخية في المغرب، لما تحمله من إرث حضاري عريق وأهمية جغرافية جعلتها محطة رئيسية في مسار الأحداث التاريخية التي شهدها المغرب على مر العصور. وقد ارتبطت هذه المنطقة بظهور الدولة العلوية التي لا تزال تحكم المغرب حتى اليوم، حيث كانت مهداً لانطلاقتها ومركزاً لانتشارها.
يُعتقد أن تسمية “تافيلالت” ظهرت مع قدوم الشرفاء العلويين إلى هذه المنطقة في أواخر القرن السابع الهجري، الموافق للقرن الثالث عشر الميلادي، حيث استقروا هناك وساهموا في نشر العلم والدين الإسلامي المعتدل، إضافة إلى دورهم في توحيد القبائل المتفرقة. من بين الروايات المرتبطة بأصل التسمية أن الشريف مولاي الحسن بن قاسم، أحد رموز هذه المرحلة، كان يخاطب الناس بعبارة “أوفيوا”، المشتقة من الفعل “وفي” بمعنى الالتزام بالوعد والوفاء بالعهد، وهي صيغة أمر موجهة للجمع بصيغة أنتم، ما يعكس أهمية الوفاء في العلاقات الاجتماعية والسياسية في تلك الحقبة.
وقد تحوّلت هذه الكلمة مع مرور الوقت واختلاط اللهجات إلى لفظ “تافيلالت” الذي أصبح اسماً للمنطقة بأكملها. ويرى بعض الباحثين أن هذا الاشتقاق ليس فقط لغوياً بل يحمل دلالات رمزية مرتبطة بالصدق والوفاء، وهما من القيم التي رسّخها الشرفاء العلويون في المنطقة أثناء سعيهم لبناء مجتمع متماسك يقوم على العدالة والمساواة بين الأفراد.
تمتاز تافيلالت بموقعها الجغرافي الذي جعلها جسراً بين شمال إفريقيا وبلدان الصحراء الكبرى، فكانت بذلك محطة أساسية في طرق القوافل التجارية التي ربطت المغرب ببلدان إفريقيا جنوب الصحراء. وقد ساعد هذا الموقع على ازدهار التجارة والثقافة في المنطقة، مما جعلها وجهة للعلماء والتجار والحجاج، حيث تلاقت فيها مختلف الثقافات والحضارات. ومن بين أشهر مدن تافيلالت مدينة الريصاني، التي تُعد مسقط رأس الأسرة العلوية الحاكمة، ومدينة أرفود المعروفة بواحاتها ومهرجاناتها التقليدية التي تبرز غنى التراث المحلي.
إن الدور التاريخي الذي لعبته تافيلالت في تشكيل الهوية المغربية الحديثة لا يمكن إغفاله، فهي ليست مجرد منطقة جغرافية، بل كانت وما تزال رمزا للوحدة والوفاء والارتباط بالجذور. لقد استطاعت بفضل تاريخها العريق وقيمها المتوارثة أن تحافظ على مكانتها في ذاكرة المغاربة، وأن تبقى شاهدة على صفحات مجيدة من تاريخ المغرب. ولا تزال التقاليد المتجذرة في تافيلالت تُمارس حتى اليوم، معبرة عن روح الأصالة والانتماء، حيث يظهر ذلك جلياً في الاحتفالات الدينية والمناسبات الاجتماعية التي تشهدها المنطقة، والتي تُبرز تمسك أهلها بقيم الأجداد ومبادئ الوفاء والكرم.
وفي الختام، فإن تسمية تافيلالت ليست مجرد لفظ عابر بل هي مرآة لتاريخ طويل من العطاء والالتزام، يتداخل فيه البعد الديني بالبعد الاجتماعي والثقافي، مما يجعلها جزءاً لا يتجزأ من الهوية الوطنية المغربية. ومن خلال هذا الاسم وما يحمله من دلالات عميقة، تظل تافيلالت شاهدة على دورها الريادي في صنع تاريخ المغرب وتشكيل ملامحه الحضارية.
للاإيمان الشباني







































Discussion about this post