سلسلة: “شاعر وقصيدة” الجزء الثالث
إعداد وتقديم: ذة أمنة برواضي.
الهدف منها التعريف بشعراء مغاربة، وتسليط الضوء على مسيرتهم الإبداعية، وتقديم نموذج من شعرهم للقارئ.
الحلقة ( 21 ) مع الشاعر : سعيد عبيد .
السيرة الذاتية:
سعيد عبيد، من مواليد وجدة (1392هـ/1972م). يعمل أستاذا للغة العربية بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بوجدة.
حاصل على دبلوم الدراسات العليا المعمقة في الأدب العربي (2004)، وشهادة التبريز في اللغة العربية (2006). شغل مهمة منسق للصالون الأدبي بمركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية بوجدة، كما نشط برامج أدبية حوارية بإذاعة وجدة الجهوية، منها “حدائق الإبداع” و”في محراب القوافي” و”أصداف ولآلئ من بحر اللغة العربية”، كما أشرف على إعداد برنامج “فنجان فن وأدب” الرقمي على منصة يوتيوب.
صدر له في الإبداع الأدبي:
– مكابدات في الطريق إلى النور (شعر)، (فاس، 2011).
– كتاب الورد ويليه قرابين الكرامـة (شعر)، (وجدة، 2019).
– أجنحةٌ وآمالٌ ونجوم (شعر للأطفال)، (الدوحة، 2023).
– الإهانة (قصص قصيرة)، (فاس، 2010).
وفي النقد بالاشتراك:
– مشروع محمد مفتاح النقدي، دراسات في المنهج والمصطلح والمرجع، (بالاشتراك)، (فاس، 2010).
– تجربة محمد بنعمارة الشعرية، دراسات وشهادات، (بالاشتراك)، (الرباط، 2017).
وله مخطوطـا:
– حتى زينة ما خطاتها لولة: فِي جذور الدارجة المغربية (تأثيل).
– للصلاة والحب والغضب (شعـر).
– أزهارٌ ولا ربيـع، مائة إشراقة وإشراقة. (شعـر).
– أشجان موريسكية (شعر).
– صنكي يدم وأشعار للناس الطيبين (شعر).
– النخلة الأخيـرة (أقاصيـص).
• الجوائز:
– جائزة الدولة لأدب الطفل المنظمة من لدن وزارة الثقافة بقطر، الدورة الثامنة – 2020.
– جائزة “مفاتيح لمستقبل فلسطين” المنظمة من لدن بيت فلسطين للشعر وثقافة العودة واللجنة الدولية لكسر الحصار عن غزة، 2018.
القصيدة:
بَسمـةٌ فـي مَقـام الرِّضـا
(في رثاء أمي)
أيُّ اللُّغاتِ وحُزْنُ القَلبِ مُضْرِمُـهُ
تَقْوَى على القُربِ مِمَّا الصَّدرُ يَكْتُمـهُ؟
أيُّ اللغاتِ وهَلْ مِنها الَّتِي خَبَـرَتْ
هذا السَّعيرَ الَّذي يَغْلِي بِهِ دَمُـهُ؟
أيُّ اللغاتِ وصَوْتُ النَّارِ مُختلِـطٌ
بِنَوْحِ فَرْخٍ ثَوَتْ في النَّارِ أَعْظُمُـهُ؟
الخَوفُ مِنْ صَهْدِ جَمْرِ النَّارِ أَخْرَسَهـا
وحَيْرَةٌ كالدُّجَى في ما يُتَمْتِمُـهُ
كأنَّها لمْ تَكُنْ مِنْ قَبلُ مُسْعِفَـهُ
على البَيانِ إذا ما أَنَّ تَفْهَمُـهُ
بَلَى ولكنَّ حُزنَ اليَومِ مُختلِـفٌ
مَنْ لَمْ يُحَرَّقْ كَعُودٍ لَيسَ يَعْلَمُـهُ
هَذِي لَظَى اليُتْمِ، في الأيتامِ سِرُّ جَـوًى
لَغْوُ اللُّغاتِ سُدًى أنَّى يُتَرْجِمُـهُ؟
كَمْ قُلتُ مِنْ قَبلُ للصَّحْبِ الَّذِينَ ثَـوَى
أَحْبابُهمْ في الثَّرَى والفَقْدُ يَرْدِمُـهُ
يا عَظَّمَ اللهُ أجْرَ الصَّابِرينَ وقَـدْ
فازَ امْرُؤٌ في الرِّضاءِ العَذْبِ بَلْسَمُـهُ
الآنَ أُدْرِكُ أنِّي كُنتُ في عَمَـهٍ
عَنْ أنْ أَشُمَّ شِياطًا كانَ يُضْرِمُـهُ
والقَلبُ في مَوْقِدِ الفُقدانِ بَعْضُ شِـوًا
مِنْ حُزنِهِ الجَمْرُ مَجنونًا يُفَحِّمُـهُ
والدَّمْعُ لا دَمْعَ لِلأحزانِ يُشْبِهُـهُ
صُهَارةٌ نَبْعُها جَفْنٌ تُخَرِّمُـهُ!
***
أُمِّي الحَبيبةَ كَيْفَ الحالُ في جَـدَثٍ
نَزَلْتِهِ وشَذَا عَدْنٍ يُنَسِّمُـهُ؟
إِنِّي لأَذْكُرُ إذْ وُسِّدْتِ فِيهِ ثَـرًى
كَيْفَ ابْتَسمْتِ فَضَيْفُ اللهِ يُكْرِمُـهُ
وكَيْفَ في خِفَّةٍ أَلْقَيْتِ خَلْفَكِ مَـا
يَشُدُّ بَعْضَهُمُ شَدًّا يُلَجِّمُـهُ
وكَيْفَ أمْضَيْتِ لَيْلَ الوَصْلِ مُتَّصِـلًا
ثَغْرُكِ يَحْسُو لَذِيذَ الذِّكْرِ مَبْسِمُـهُ
علَى يَقينٍ بأنَّ اللهَ مَرْجِعُنَـا
سَبَّابَةُ الحَقِّ ما تَنْفَكُّ تَرْسُمُـهُ
طُوبَى لِمَنْ كانَ عِنْدَ النَّزْعِ مُنْشغِـلًا
يُكَلِّمُ اللهَ واللهُ يُكَلِّمُـهُ!
***
أُمِّي الحَبيبةَ كَمْ مِنْ مَسْلَكٍ وَعِـرٍ
قَطَعْتِ، كَعْبُكِ في شَوْكٍ يُوَرِّمُـهُ
أُمِّي الحَبيبةَ كمْ حُمِّلتِ مِنْ ثِقَـلٍ
لَوِ اعْتَلَى سَدَّ ذِي القَرنيْنِ يَهْدِمُـهُ
أُمِّي الحَبيبةَ كمْ أطْعَمْتِ مِنْ فَمِـكِ الْـ
ـمَحْرومِ جُوعَ فَمِي رُحْمَاكِ تُلْقِمُـهُ
طِفْلًا بِحِضْنِكِ مِمَّا نالَ مُغْتَبِطًـا
يَرْنُو إليْكِ بِمَحْمومِ الطَّوَى فَمُـهُ
وكمْ سُتُورٍ بِظَهْرِ الغَيْبِ ألْبَسَنِـي
دُعاؤُكِ الرَّطْبُ غَضٌّ فِيَّ بُرْعُمُـهُ
فَتًى وكَهْلًا وذا شَيْبٍ وذا وَلَـدٍ
كَطفْلِ أَمْسِ كأنْ لَمْ يَانِ مَفْطِمُـهُ؟!
حُبُّ الأُمومَةِ أَفْراسٌ مُجَنَّحَـةٌ
يَقُودُها شَغَفٌ لا حَدَّ يُلْجِمُـهُ!
أُمِّي الحَبيبةَ كمْ ضُرِّسْتِ وَسْطَ رَحَـى الـ
ـدُّنيا وتَحْتَ الشَّقاءِ الصَّلْدِ مَنْسِمُـهُ
فمَا زَفَرْتِ بـ”أُفٍّ” قَطُّ مِنْ غَضَـبٍ
وكُلُّنا أَضْعَفُ الأرْياحِ تَهْزِمُـهُ
ولا شَكَوْتِ صُروفَ الدَّهْرِ مِنْ تَعَـبٍ
ولا أَسِفْتِ عَلى ما الدَّهْرُ يَصْرِمُـهُ
كأَنَّ ما مَرَّ طَيْفٌ مِنْ كَرَى سِنَـةٍ
أوْ أَنَّهُ حُلْمُ طِفْلٍ كانَ يَحْلُمُـهُ
وإنَّما عِشْتِ مِنْ رَحْبِ القَناعَةِ فِـي
رِضًا بِما اللهُ بَيْنَ الخَلْقِ يَقْسِمُـهُ
وأنتِ أَزْهَدُ فِي الدُّنيَا وبَهْرَجِهَـا
وقُوتُكِ النَّزْرُ ما كَالطَّيْرِ يَطْعَمُـهُ
***
أُمِّي الحَبيبةَ مِنْ ذِكْرَى رِضاكِ سَقَـى
غَيْثُ الرِّضا القَلْبَ مِمَّا كانَ يُسْقِمُـهُ
فَعادَ بَعْدَ احْتراقٍ حَقْلَ أَجْنِحَـةٍ
أَبْهَى وُرودِ الخُلودِ البِيضِ تُفْعِمُـهُ
إنِّي أرَى بَسْمَة البُشرَى مُشَعشِعَـةً
مِنْ بَدْرِ وَجْهِكِ والأفْراحُ أَنْجُمُـهُ
خَيْرُ البِداياتِ ما تَمَّتْ مُؤَرَّجَـةً
وأَطْيَبُ الشُّرْبِ ما بِالمِسْكِ مَخْتِمُـهُ
وَهَلْ كَمَنْ عَبُّهُ الرَّيَّانُ مِنْ قَـدَحٍ
مِسْكُ الشَّهادَةِ قَبْلَ الْمَوْتِ زَمْزَمُـهُ!؟
***
يا ربِّ فاجْمَعْ رِياضَيْنا غَداةَ غَـدٍ
اِشْتَقْتُ شَمَّةَ رَأْسٍ كُنتُ أَلْثُمُـهُ
فَإنَّ قُبْلَةَ رأْسِ الأُمِّ أُعْطِيَـةٌ
مِنَ النَّعِيمِ على مَنْ شِئتَ تُنْعِمُـهُ!
Discussion about this post