دائماً ما نقول “الله” و “رب” للدلالة على وحدانية الخالق، تفرّده، كماله، وشموليّته وغيرها من الصّفات الّتي يتّصف بها، ولا يشاركه فيها أحد مهما كان وزنه ولونه وجنسه وسنّه ومقامه وقوته وسلطته بما أنّه مخلوق وعبد لذي الجلال والإكرام الواحد الأحد الّذي “لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفؤ أحد”…
فهل فكّرنا مرّة على الأقل عن الفرق بين المصطلحين لغويّا ودينيّا؟ هل بحثنا فيهما عسى هذا البحث يزيد في إيماننا، ويعمّق وازعنا الدّينيّ، ويثبّته فينا ما دمنا أحياء؟ هل أدركنا متى نستعمل كلّ مصطلح من المصطلحين استعمالا سليما ودقيقا؟
لكن، وقبل الإجابة عن مجمل هذه الأسئلة وغيرها، علينا أوّلاً الغوص في أصل المصطلحين تعريفا واشتقاقا لنفهم مكوّنات كلّ منهما في مرحلة أولى. فكيف نعرفهما؟
ف “الله” هو اسم مشتق من أله يأله إله، وحذفت الهمزة، وأدغمت اللام الأولى في الثّانويةّ وجوبا فقيل “الله” ومعناه ذو الألوهية “، وهو الله في السّموات، وفي الأرض يعلم سرّكم وجهركم، ويعمل ما تكسبون ” (الأنعام 3).
أما “الرّبّ ” فهو “المالك”، “السّيّد المطاع” كقوله تعالى في سورة يوسف (أية 41) ” فيسقي ربّه خمرا”، ” المصلح” كقولنا “قد رب الرجل الشيء يربه ربا “، والشيء المربوب هو الّذي يتمّ إصلاحه.
فيما يعني مصطلح “الله” دينيّا ذلك الكائن الأعلى أو القوّة المعبودة في الدّيانات المختلفة، وقد تكون هذه الكائنات متعدّدة كما في الدّيانات الوثنيّة، وواحدة كما في دين التّوحيد.
كما تعبّر كلمة “الله” أيضا عن الصّفات والمواصفات الّتي تنسب إلى الكائن الأعلى مثل القدرة على الخلق، الإبداع، الحكمة، العدل، المغفرة، الرّحمة، وغيرها…
ومصطلح “الرّبّ ” بمفهوم السّيادة والسّلطة يستخدم للدلالة على الكائن الّذي يتمتّع بالسّلطة على شيء ما أو شخص ما، وغالبا ما يستخدم للإشارة إلى العلاقة بين الخالق والمخلوق.
أمّا في السّياق الدّيني فإن هذا المصطلح يشير إلى الإله (الله) الّذي يتولّى رعاية العالم وتوجيه البشر كما هو الحال في الشّريعة الإسلاميّة والمسيحيّة واليهوديّة (ديانة التّوحيد).
ومن هنا، فيمكننا القول أنّ “الله” هو الكائن الأسمى المعبود، بينما “الرّبّ ” يستخدم للإشارة إلى الصّفة المتعلّقة بالسّلطة والرّعاية والقيادة.
وقد يستخدم المصطلحان بشكل متداخل، ويرمزان إلى نفس المعنى، وهو “الخالق”، “المبدع”، “الكامل “، “العادل”…،وغيرها من أسمائه الحسنى الّتي يختصّ بها عند أغلبية النّاطقين بالضّاد في كل موضع ومقال…
لكن، في الحقيقة، فإنّ كلا منهما (المصطلحان) له دلالات ومعانٍ خاصّة به بينما بعضها في هذا العرض الموجز والمختصر.
وهذا ما يجعلنا نقرّ أنّ المصطلحين يحملان خصوصيّات ودلالات ومعان مختلفة لكلّ منهما على جميع الأصعدة، لكنّهما يلتقيان في المغزى والقصد والهدف، وهو “الخالق، الرّاعي، القائد،القوي،العليم، الحكيم،…” وغيرها.
ف”الله” و “الرّبّ ” يجتمعان من أجل مزيد ترسيخ إيماننا وتعميقه وتثبيته في مكانه رغم تخصّص كلّ مصلح وتفرده عن الآخر، ليكونا شاهدين على عظمة وقوة الله الّذي لا يمكن لمصطلح واحد أن يفيه حقّه، ويصفه من جهة، ويعبران عن “الكمال الله”، وكذلك “الشّمولية” في كلّ شيء حتّى في اللغة وكلماتها الّتي تبقى نسبيّة وغير قادرة على التّعامل مع كمال الله.
Discussion about this post