محب خيري الجمّال يكتب:
إلى السيدة (س) امرأة بالروح تبشر بقيامة جسدي
هل الأمرُ يتعلقُ الآنَ بالرّوحِ
تمهّلي قليلًا قبلَ الإجابةِ
خذي وقتكِ..
قبل أن يسود الظّلام المهيبُ
وتستسلمينَ بهيامٍ عتيقٍ للأرضِ العاقرِ.
وتشاركينَ ضوء قلبي الشّاحب نومه البهيّ
تلك خاتمةٌ موحشةٌ وصعبةٌ
وتضعُني في مأزقِ تأويل اليقين.
إن كان الأمر يتعلّق بالرّوح
عليكِ أن تعترفي أوّلا:
بأنكِ شريكتي في فكرة هدم هذا العالم
شريكتي في اقتسام زئيرِ الضّوءِ الحيّ
في فم الرّوح الهائجةِ..
جسدي الشّاحب شحوب العدم المسموم
بلا أسانيد تروى
يتمرغُ بين سواقي الكساد بترف الذّبولِ
ورماد القيامة الأولى في برزخ النّبوّات
إذا كان الأمر يتعلّق بالرّوحِ
تعالي معًا ندحرجُ الكلمات المصفّاة
من ثقب جمجمةِ الذّاكرةِ
نتقلبُ بين نواميس التّاريخِ
وتحت أوَل طلقة مجهولة
كانت تتمتم بدماء تهذي كالطّير المبثوثِ
نخطو بهتافاتٍ مقدسّةٍ نحو الوقت الأبيضِ
ونطيرُ من الأبعدِ إلى الأبعدِ
وهكذا نتجاوز الرّغبةَ والغياب ومعرفة الفراغِ
وشهيّة الوصول الجافّة للروح العليمةِ.
تعالي..
حقيقتي غائبة لأن جسدي أعزل وقليل الحكمة
اكتملي بهزائمي وحياتي الهازئةِ
اقترني بي كبقعةٍ خافتةٍ
أتوسّلُ لها في نهاية السّطر الأخير من قرقعة الرّوحِ
كدليلٍ على أنّكِ الصّباح المتأخّرُ
أو أمسياتي الفاحشةُ
أو ربّما المواعيدُ الّتي تصهلُ في الذّاكرةِ المطفأة
كي لا تطولَ وحشةُ الملح في ابتسامات الغرقى
اقترني بهفهفة السّاعة القارعة ولا تمضي
يتعبني وقوف النّهر السّاهر
كجليد صاخب بالوحدةِ والأسى
ونصفي المقترن بالعتمةِ
يُعجزني عن مواساته
يُعجزني للدرجةِ الّتي أودّ فيها
شجّ رأس نصفي الآخر بفأسٍ لا تهدأ ولا ترحم
أناشيده العتيقة.
إن كان الأمر يتعلّق بالرّوح الآن
سأضع يدي على فمي
وأبكي بحرقةٍ متعبةٍ على رصيفِ أنقاضيِ
لأنّ الرّوحَ وحدها تحملت أخطائي
وظلّت تنتحبُ بدموعٍ زرقاءَ في السواد الشاسعُ
ظلت ترتجفُ من البردِ لتدفعَ وحدها
فاتورة الانكسارِ والموتِ.
آه أيّتها الرّوحُ..
لو ترحلينَ طافيةً كقشّةٍ لينةٍ
لا يتعلّق بها جسدي ولا تمتدحها ذراعي
لأسقط برحابة كأنّني في نوم طويل
لا يوقظني صخب العالم ولا حروبه الطّائشةَ
أو كأنّني من عدمٍ لعدمٍ حملوني كجثةٍ ساخنةٍ
وأطلقوني للعراءِ كرملٍ منثورٍ في سحب الدّخانِ
ثمة أنينٌ طويلٌ سأعيشهُ طافيًا أيّتها الرّوح الورقيّةُ
بين الأسلاكِ والحجارة والصّحف
وسماسرةُ الأوطان والقُبل الذّابلة
ثمة جنازاتٌ مفتوحةٌ تجلسُ القرفصاءَ أمام البيوت
والمصانع والعواصم المحاصرة.
أيّتها الرّوحُ..
خَطَأٌ في القصيدة أم خطأً في خيط دمي يتشظّى
من حبّ امرأة من خيال الفوضى والحياة الرّتيبةِ
يا (س)
من أين لكِ هذه الطاقةُ بالبوحِ المُلغم بأدراج الليل
والارتعاشات العريضة
من أين لكِ كلّ هذا البوح وأنتِ صداي المرّ
العالق في ندوبي الكثيرة.
وأنتِ أبعد ممّا تظنّ الرّوح فوق رفوف الذّكريات
أنا الّذي ما كان ليّ فتح نافذة لفصول الظمأ
أكتب الآن أخطاء جسدي الأنيقة بوجع مُبصر
كي تمرّ من قبو الرّوح كلماتي
كضجر أود الانتهاء منهُ.
أيّتها الرّوحُ اللَجُوجةُ
على شفتيكِ تبتكر ليّ المرأة الّتي أُحبّ
الحوار الّذي أَحبّهُ النّهر.
الدّهشة الّتي أوصلتني للجنونِ
في أواخر عمري والخراب.
لذا
من أجلكِ سأرفع سيوفا من لهيب لا يهدأ
سأكافح في تمزيق صلصال الموتى
لن تفلت منّي مادة الكلام الحاسم بعد الآن
أيّتها الجميلةُ
يا فائقة الجمالِ
كعاصفةٍ في بحرٍ واسعٍ
هاتي أغطية الضّوءِ
ونامي في قلبي كحقيقةٍ إلهيّةٍ.
الأمرُ بسيطٌ للغايةِ
سَنكتملُ أنا وأنتِ في موقدِ نار واحد
ها أنا أعدتُ لكِ المكان
قوديني بالرّوحِ إلى الرّوحِ
اضبطي الكيلَ والميزانَ
وطوفي بي قاصرات الطّرف
سأبتكر لي جسدا من نواميس وجنات
حيث لا أحد غيري على المحجّة البيضاء
يرتّل لجمرة تتوقّد من مدخل الرّوح
حتى أخر تنهيدة
في أقانيم الجسد المبصرة،!
Discussion about this post