ربيعة بوزناد تكتب:
حين تهزمنا التفاصيل الصغيرة”
كانت الشّمس قد غابت في أفق المدينة، وأصبحت السّماء تُغطّي بتدرّجات الألوان الهادئة، بينما جلست “سلمى” في المقهى الصّغير الّذي يطل على نهر أبي رقراق في الرباط. كانت تتأمل الأفق بعينين شاردتين، تائهتين بين ذكريات علاقتها التي كانت تنهار تدريجيًا، بينما أمامها حقيبة سفر صغيرة تخبر كل من يراها أن رحيلها قد حُسم.
كانت العلاقة بينها وبين “آدم” تشبه ذلك الفنجان الّذي يتصاعد بخاره أمامها. جميلة في بداياتها، مليئة بالدّفء، لكنّها تحوّلت بمرور الوقت إلى سلسلة من التّفاصيل الصّغيرة الّتي كانت تُثقل كاهلها. كلمات غير مقصودة، مواقف عابرة، وغياب طويل عن التّفاهم. كلّ هذه الأشياء الّتي اعتقدت أنّها مجرد زوابع في فنجان، تراكمت لتصبح إعصارًا يُجبرها على الرّحيل.
تذكّرت آخر حوار جمعهما قبل أيام قليلة، حين كانا يجلسان في نفس المكان. كان النّقاش بسيطًا، لكنّه انتهى بشجار غير ضروري. قال لها حينها: “لماذا تجعلين من كلّ شيء مشكلة؟ إنّها مجرّد تفاصيل صغيرة!” لكنّها أدركت في تلك اللحظة أنّ الّتفاصيل الصّغيرة لم تكن صغيرة على الإطلاق؛ كانت كالنّمل الّذي يبني مستعمراته بصمت، حتى تُصبح الجدران مليئة بالشّروخ.
الرّحيل لم يكن قرارًا سهلًا، لكنّه كان ضروريًّا. حبها لآدم لم يكن كافيًا لترميم ما كُسر بينهما. لم يعد هناك توازن في العلاقة؛ كلّ شيء أصبح مبنيًّا على لوم متبادل ومشاعر متآكلة. كان عليهما أن يتقبّلا أنّ البقاء معًا أصبح مستحيلاً.
مع هطول الأمطار فجأة، قامت من مكانها، والتقطت حقيبتها. نظرت إلى الفنجان الّذي تركته على الطّاولة، وابتسمت بخفّة. ربّما كان ذلك الفنجان رمزًا لعلاقتها؛ ممتلئًا ذات يوم، لكنّه الآن فارغ، ولا جدوى من الانتظار.
“سأرحل، لأنّ الحياة تستحقّ فرصة جديدة”، همست لنفسها، وبدأت السّير نحو محطّة القطار، تاركة خلفها زوبعة الماضي تهدأ ببطء.
Discussion about this post