الغيظُ طغى وبلغ التّراقي، الحزنُ تجبَّر حتّى فاق حد الوصف، غُصصٌ نبتلعها عاجزين عن ردّ صدمتها، فضلاً عن سرد هولها بالأحرف، ولو أجرينا الدّموع لأقلامنا مِداداً ما استطعنا ترجمة الحزن الّذي ملأ أرواحنا حِداداً.
المصابُ جلَل والفاجعةُ أكبر من أن يحتويها قلب، والقلب بخفقانه أوسع من أن يحبسه قفص الصّدر حتّى كاد يتفجَّر به، لفرط الألم الّذي جثَم عليه.
يأسٌ تام، تعاسةٌ مطلقة، وخيط أمل مُمَزّق، لا شيء يفيد للمواساة، حتّى وإنْ نجونا بأعجوبة حِيناً؛ فادَّعينا الصّمود وتظاهرنا بالثّبات، يبقى مصيرنا أن ننهار تحت وطأة هذه الكروب.
قلْ لي بِرَبِّك: ما قيمة الحياة لشخصٍ تجرَّدت عنه معانيها، وسُلِبَتْ منه أسباب عيشها، يرى الموت أهون مصائبه؛ فيتمناه بدلاً عن عجزه أمام استغاثات من يحبّهم، لكنّه يخشاه خوفاً على مصيرهم بعده.
نفدت كل دلالات شعوره بإنسانيته، فلا البكاء يجدي نفعاً، ولا العِناق يُخفِّف ما به، وهكذا ظَلَّ ظِلّاً يختبئ من لهيب الشّمس نهاراً، ويطارده شبح الموت ليلاً.
التّراب العالِق في حذائه _إن كان له حذاء_ هو نصيبه من أرض الوطن الشّاسِع، الّذي أصبح هائماً فيه على وجهه، يحمل بيته على ظهره، يقتاد أسرته بين يديه، ذاهباً بهم إلى المجهول، باحثاً عن لا شيء علَّه يُصبِّرهم به إلى أن يجد شيئًا .
لكنّه عبثاً يحاول لأنّه لا مخرج؛ فالزّجاجة كلّها عُنق لا فجوة فيه، والنّفق كلّه ظلام لا آخر له.
ليس من طبعي القنوط ولا التّشاؤم، لكنّ الواقع فرض عليَّ ذلك، أرى المشاهد وأسمع الصّيحات، تفجعني الأخبار السّيئة واحداً تِلو الآخر، وكأنّني أتلقّى طعنات تقتلني توالياً ثم أُبعَث مِراراً لأُطْعَن تِكراراً.
يبقى عزاءنا أنَّ ما قُدِّر لنا سيصيبنا، وحسبنا أنّ ما كُتِب علينا سنعيشه، ولا نقول إلا ما يرضي الله، نسأله اللُّطف في القضاء لا ردّه، ونرجوه ألا يحمِّلنا ما لا طاقة لنا عليه.
-محمد جلي
Discussion about this post