استفقتُ صباح يوم رماديّ كئيب أضنته الرّطوبة وغمر أثيره عطر الموت. تسمَّرتُ في مكاني وأنا أرى أقداحاً باقيةً على الطّاولة، وأتأمّل مشهد الجثث الماثلة حولي هنا وهناك، والأعين المفتوحة الّتي تحدّق بي، وكأنّها تسحبني رغماً عني إلى العدم، وقد رسم الدّم بقعاً كبيرةً على سطح الأرض. عندها سكن الأنين في أعماقي كما الخوف.
أدركتُ ومن دون أسباب، أنَّ الإنسان يقتل البشر والبشر يقتلون الإنسان. وعلمتُ أنّني لا أختلف عن طبع الذّئب الموجود في كل النّفوس البشريّة، وأنّ حقدي يقتلني وهو كذلك يقتل غيري، لذلك فعلتُ ما فعلته. ولأنَّ الليل هو مصباح التّائهين، ولأنَّ القبور هي أماكن الولادة المنتظرة، ولأنَّ كلّ ما لا يمكن أصبح ممكناً في هذا الزّمن، حملتُ بداخلي كلَّ الأوزار وساقتني غرائزي وعوالم الخزعبلات نحو الانهيار والانحدار.
شعرتُ لحظتها أنّني لم أعد أنا، وأدركتُ حقيقتي المشوّهة وحقيقة البذرة المحرّمة والخيانة الدّائمة، وأصبحتُ أعيش بروحين وبنصفين، فأنا الآن نصف إنسان ونصف شيطان.
خرجتُ من ذاك البيت مذعوراً، أركض بأقصى سرعة من دون معرفة وجهتي الصّحيحة، ومن دون معرفة أين أنا؟ وكيف جئت إلى هنا؟
كان همّي الوحيد أن أهرب من ذاك المكان قبيل وصول أحدهم، ورؤيته لتلك الجثث واتهامي بشيء، ربما أكون فعلته عن قصد، وربما عن غير قصد، وربما لم أفعله البتّة.
“لا فائدة من التّخمين، فأنا لا أذكر حقيقة ما حصل في الليلة الفائتة”. هكذا حدّثتُ نفسي، وبعدها انهمكتُ بالجري، محاولاً تجنب الأشجار الكبيرة التي علت أغصانها هذا المكان حاجبةً ضوء الشّمس، فتعثّرتُ بأحد الأغصان ووقعتُ أرضاً، وتدحرجتُ على الحجارة حتى وصلتُ قعر الوادي.
ارتطم جسدي الضّعيف بالأرض اليابسة، شعرتُ لحظتها، وكأنّني انفجرتُ كقنبلة بفعل قوّة الارتطام. حاولت النّهوضَ، لكنًني لم أستطعْ نتيجة انغراس غصن من أغصان الأشجار في خاصرتي، ما شلَّ حركتي وقدرتي على الصّراخ، فاستسلمتُ مرغماً لذاك العجز.
رشا أبو سعدة / سورية
Discussion about this post