بقلم (محمد رشاد محمود)
أسندت زنديها إلى طاوِلَةٍ ما بيننا وتراجعَت شيئًا ، كأنما تستَجمِعُ آلات فتنتها ، ونَفَضَت رأسها ، فانتثرَ عن يَمينه وشماله نثارٌ من تَمَوُّجات تزري بالعِطر ، وبدا جبينُها الأغَرُّ أنصَعَ مِن تَبَلُّج الشَّمس بعدَ انحجابها في يومٍ كئيب ، فقُلتُ – وكنتُ أعلمُ انشغالها بغيري – “أتتَزَوجينَني؟” .فَزَوَتْ ما بينَ عَينَيها وقَطَّبَت ، فبَدَت في تَقطيبها أنضَرَ و أبهى ، فعاجَلتُها مُداعِبًا :” أوَ تَظُنِّينني أُفطِرُ على بَصَلَةٍ بعد صيامي ذاك الطويل؟”. قالت وهي تَمُطُّ في حروفها مَطًّا :” يا سلاااام ! ” قُلتُ – وكانَ الوقتُ ربيعًا – ” أتسهَرين ؟ ” قالَت مُحاوِلَةً أن تربِطَ بين تلكَ الطَّفرَة وبين ما خُضتُ فيه : ” ماذا ؟! ” . قُلتُ :” سوفَ أنفُذُ إليك وأهبِطُ مع صبيب القَمَر من نافِذَتِك بعد مُنتَصَفِ اللَّيل ، فأحولُ بينكِ وبينَ النَّوم ” وتَرَكتُها وتلك الأبيات تُزَمزِمُ ما بينَ جوانحي ذات يومٍ من إبريل عام 1987 :
سأرتـــــادُ وَكنَــــــكِ يــــــا آسِـــرَه
وأنـــتِ عــلـــى غِــــرَّةٍ سَــــــادِرَه
وأُزري بِــأسـبــابِــكِ المُــوصَـداتِ
خَيَـــــالًا سِـــوَى سُتـــرَةٍ ســاتِــرَه
إذا فضَّ منـــــكِ انسِـدالُ الــدُّجَى
مَفاتِـــــنَ جُنَّـــــتْ عَـن السَّـامِــرَه
وألثُــــمُ خَدَّيـكِ عِنـْــدَ افتِــرارِ الــ
لَمَى عَن مـبَاسِمِــكِ البــــاهِــــــرَه
وأشْتَفُّ مِن ناهِــدَيكِ انفِغـامَ الشـ
ــشَذا نَـــــدَّ عَــن زَفـــرَةٍ فائِـــــرَه
وتُورِدُنــــي خَطَـراتُ النسـيــــــمِ
مَـــوارِدَ لِلـغَيــْــــرَةِ النَّـــــــاغِــرَه
يُــداعِبُ جَفنَيــكِ بَــــدرٌ سكــوبٌ
وتَعتَـــــــــادُكِ النَّـــســمَةُ العابِـرَه
شَبـوبٌ لَهَــــــا فـي خَلايـــا دَمـي
تَتــــابُـعُ أنــْـفــاسِـــكِ المائـــِـــره
لَهَـــــــا بَـينَ قَلــبي أُوامٌ نَسُــوفٌ
وعِنْـــدَ اضْطِـرامِ الـحَنــايـَـا تِــرَه
تَعَالَي فماضي عُهـُـــــودي رُفـاتٌ
وبِيــــــــدٌ وآلٌ علَـــى واغِــــــرَه
تَعالِي نَلُـــذْ في هَـجيــــرِ المُلِمَّــا
تِ بالـــدَّوْحِ والــرَّوضَةِ الـعـاطِرَه
يُدَغدِغُها الطَّيرُ عِنْدَ ارفِضاضِ الـ
ــضِّيــــــاءِ وتَحضنُهـــــا النَّاشِـره
تَــدانَي نَحُـل مَــوجَـةً مِن شُعَـاعٍ
يُرَقرِقُهَــــا الوَجـــدُ في السَّاهِــرَه
لَيَــــالـيـكِ خَمْــــرٌ وشَدوٌ وشَـوقٌ
وشَبَّـــــــابَةٌ بـــالأسَـــــا زامِـــــرَه
وإطلالَـــــةٌ مِنْ ظِلالِ الغُيــــــوبِ
علـى وَقْـــدَةِ القَلــبِ في النَّـاقِـرَه
(مُحمد رشاد محمود)
…………………………………
الناغِرَة : الغاضِبَة الفائِرَة . الأُوامُ (كَغُراب) : العَطَشُ أو حَرُّهُ . التِّرَة : الثَّأر . الآلُ : السَّرابُ . الواغِرَة : شديدَةُ الحَرِّ .
الهَجيرُ : شِدَّةُ الحَرِّ . النَّاشِرَة : الرِّيحُ الهابَّة والأرضُ المُنبِتَةُ من أثَر الرَّبيع .
السَّاهِرَة : وَجهُ الأرض . الأسَا : المُداوَاة . النَّاقِرَة :المُصيبَةُ والدَّاهِيَةُ .
Discussion about this post