” غربتي والتيه ”
على شفا الليل،
كنت أُلملم وجهي من مرايا المنفى،
أعيد ترتيب صمتي،
وأغزل من نثار الحنين وشاحا
أُدثّر به روحي الباردة.
هنا، كل شيء صامت
إلا نبضي،
يدق كأقدام الهاربين
من وطنٍ كان يوما
وطنا.
في حقائب الغياب،
ترقد أسمائي،
ثقيلةً كالأحجار،
كل اسمٍ يحمل وجها
لا يطابق ملامحي.
أيها الطريق المكسور،
كم من قلبٍ نزفتَ
حتى غدا حزني
عابرًا لحدود الصبر؟
كم من مرةٍ عدتَ بي
إلى البداية
دون أن أصل؟
الغربة ليست المسافات،
إنها ظلك
حين لا يعود يعرفك،
ويدك
حين تجهل يد مَن تسألها.
على أرصفة البكاء،
تتوه قدماي،
وكل محطةٍ أبلغها
تعلّق على كتفي مزيدا
من أثقال الرحيل.
أشتاقُ صوتا،
مجرد صوتٍ يقول:
“عد.”
أشتاق حضنا
يشبه حنين الأرض للمطر،
لكن المطر غريبٌ هنا،
يبكي على الزجاج
ولا يُنبت شيئا.
ويا لهذا التيه،
يفتح ذراعيه كعاشقٍ خائن،
يُغريني بالهرب،
ثم يصفعني بخريطةٍ
تمحو حتى الاتجاهات.
إن كان للوطن قلب،
فكيف تسنّى له أن ينساني؟
وإن كان للحنين عمر،
فمتى يموت؟
لأني أنهكتُ حياتي
أبحث عن دفءٍ
في بردٍ لا ينتهي.
ها أنا هنا،
على حافة صرختي الأخيرة،
أنثرني بين الكلمات،
وأبحث عن نفسي في صدى الأنين.
نور الدين طاهري
بروكسيل
Discussion about this post