أتساءل أحياناً: ما الذي دفعني إلى أن أفتح حساباً على “الفيسبوك”، وأختار أن أكتب فيه أفكاري وأشاركها مع أشخاص لم أعرفهم يوماً؟ ما الذي يجعلني أبوح بما يجول في خاطري أمام جمهورٍ قد يكون غريباً عني تماماً؟ هل هي الوحدة التي تسللت إلى حياتي، أم شغف الكتابة الذي يدفعني بلا وعي؟ أم أن الأمر لا يتجاوز كونه مللاً يهيمن على أيامي، أو ربما هو رغبة خفية في الظهور؟
حين أكتب، لا أدّعي أنني صاحب قلم أدبي فذّ، ولا أرى نفسي مبدعاً متفرّداً. بل على العكس، أشعر أحياناً أن كلماتي متواضعة، عادية، لكنها مع ذلك تحمل شيئاً مني. أليس في هذا الفعل نوع من الغرور؟ أن أرى في كلماتي ما يستحق أن يقرأه الآخرون، أن أتوقع منهم أن يتفاعلوا أو أن يبدوا رأيهم فيما أقول؟
لماذا أنشر؟
أقف أحياناً أمام هذا السؤال وأحاول أن أجد إجابة صادقة. ربما هي الوحدة، نعم، تلك اللحظات التي أشعر فيها أنني أحتاج إلى أن يسمعني أحد، ولو كان مجرد اسم مجهول في قائمة أصدقائي الافتراضيين. وربما هو جنون الكتابة، ذلك الجنون الجميل الذي يجعلني أرغب في تحويل أفكاري ومشاعري إلى كلمات مكتوبة.
لكن هل يمكن أن يكون الأمر أعمق من ذلك؟ هل أنا أبحث في هذا الفضاء عن شيء ما؟ عن إثبات لوجودي، أو عن اعتراف بأنني موجود وبأن ما أكتبه له قيمة؟ أم أنني ببساطة أكتب لنفسي، وأشارك لأن المشاركة أصبحت جزءاً من طبيعة هذا العالم الافتراضي؟
النشر لجمهور مجهول
أعترف أن هناك شيئاً غريباً في أن أكتب لأشخاص لا أعرفهم، وربما لن أعرفهم أبداً. ما الذي يدفعني إلى فتح نافذة كهذه على عالمي الداخلي؟ أهو الفضول؟ أم أنني أبحث عن صدى يعيد إليّ صدى صوتي؟ في كل مرة أشارك فيها شيئاً، أجد نفسي أتساءل: كيف ستُقرأ كلماتي؟ من سيقرأها؟ وهل ستترك أثراً، أم ستذوب في بحر المنشورات اللامتناهي؟
بين الحاجة والاختيار
لكنني أعود وأفكر: هل أنا حقاً بحاجة إلى هذا الفضاء؟ أم أنني اخترته فقط لأن الواقع أصبح أكثر ضيقاً مما أحتمل؟ ربما أحتاج إلى هذا التواصل، إلى هذه العلاقة التي تجمع بين المجهول والمرئي، بين القريب والبعيد. وربما أجد في الكتابة نوعاً من الحرية، حرية أن أكون نفسي بلا قيود.
التساؤل المستمر
كل هذه الأفكار تدور في ذهني كلما نشرت شيئاً جديداً. وربما لن أجد إجابة واحدة لهذه التساؤلات، وربما لا أحتاج إلى إجابة أصلاً. يكفي أنني أكتب، وأنني أشارك، وأنني أحاول، بطريقتي الخاصة، أن أترك أثراً، مهما كان صغيراً، في هذا الفضاء الشاسع.
٠في النهاية، أكتب لأن الكتابة تعني لي الكثير. أكتب لأنني أبحث عن نفسي في الكلمات، ولأنني أريد أن أصدق أن هناك من يقرأها ويفهمها. وربما هذا يكفي؛
وأكتب أيضاً لأصدقاء قليلين، لكنهم كبار في قلبي، أصدقاء يمنحون كلماتي معنى أكبر بتشجيعاتهم ودعمهم. منهم أستمد الرغبة في الاستمرار، وفي أعينهم أرى انعكاساً لما أطمح إليه. شكرًا لهم، شكرًا يليق بمكانتهم الكبيرة في حياتي، فهم جزء من الرحلة وسبب في استمرارها.
التزنيتي عبد اللطيف
طنجة المغرب
Discussion about this post