كما كنتُ أحبّكَ في السلمِ
أحبّكَ الآن في الحرب والريح وحرائق الحقول ..
أرى وجهكَ كشريط أخبار عاجل ..
سرعان ما ينخطفُ ..
لينتهي كلّ شيء حولي وتبقى أنتَ.. !
فأعلم كم أنتَ في دمي ..!
كما يتمدد الطين على بلاط الأرصفة ..
وتفترش أوراق تشرين أرض الحقول
تفترش قلبي ..
وأفترشُ أفكاري ثم أمتدُ
نحو خواءٍ مهيب ..
يتسعُ ويكبر .. يكبر
هو الموت صدّقني .. لا أكثر ..
ثمّة موت بلا أنفاق ولا حتى إضاءة ..
ودرجٌ طويل .. طويل
لا يؤدي إلى أعلى أو أسفل
موت يراوحُ في مكانه ..
ويبقى ثابتاً .. بين ..بين !
أتشظى حين أراكَ .. !
أغدو كومةَ كلماتٍ مبعثرة
في شيء يشبهُ الفضاء ..
فأرى بأم عيني ..
كم أنتَ في دمي ..!
وفي لحظة خاطفة
يومضُ الشعر بهياً كأنتَ
شهياً كأول هطول
مراوغاً ككلّ القصائد المخادعة ..
يومض ويسقط كنيزك
مخترقاً ظلوعي ..
كما الروح ..!
تؤلم إن دخلت وإن خرجت
لا شك بأنه الروح ..
روح من حبٍّ وحربٍ ودماء ..
أتململُ مكاني ..!
كجثة في الظلام ..!
كضوءٍ آخر النفق ..!
لا شيء يسحبني إلى ميدان الحياة
ولا حتى يسجّيني ..
لا شيء يدفعني لأكتب حرفاً
لا جملة تغريني في هذه البعثرة
لأكتبها أوتكتبني ..
ولا حتى أن أصنع لصيغة منطفئة من زمنٍ
مكانةً خاطفة ..!
أسحبُني لما مضى ..
وأعلقني في قصيدة كانت تنزف حباً ..
فتصرخ ..كم أنتَ في دمي !!
ويهزُّ الصمت أعمدة الكلام
ويسقط ركاماً ..!
كما يتمدد الطين على بلاط الأسئلة
أسألك ..
وألتحف لغة التوقّع في كلّ إجابة (….)
كم أنتَ في دمي ..!
أخبر ذاك الطفل فيّ ..
بأن الحبّ كذبة
كما الحرب ..كما النار
كما الحياة .. كما الموت
كما كلّ شيء ..!
يضحك بهلع ودموع ..!
وسرعان ما آراه بشعر أشيب ..أشعث ..!
كلّهُ دماء ورماد ..!
يا أيتها الريح الحصّادة
يا أيتها الريح التي لا تستريح
يا أيها التيه المحاصر بالإيماءات
بالوجوه
يا أيها التيه المشّاء في دمي
كم أنت الآن في دمي ..!
فمن أين لي بعينين ثاقبتين
لأراكَ بعد كلّ بكاء ..!؟
كما يتمدد الطين على بلاط الأفئدة
أحمل القتلى كي أواري جثامينهم بين أوراقي
فيسيل الحبر دماً
كما يسيل الحبّ مع المطر
ليرسم القلوب والبيوت والنوافذ
البحر والبحّارة
الأبنية والسيّارات
الصواريخ والقذائف
الدفاتر والقصائد
ويلوّن السماء كرسّام
خذله الوقت فبقي عالقاّ
خارج الزمان والمكان
كي يوثّق المجزرة أبد الأبدين ..
كما يتمدد الطين فوق بلاط القداسة ..
تعبرين يا بلادي خلف رؤاي
ويعبر طيف حبيبي
ليبقى عالقاً كقدّاس بين شفتين شاحبتين ..
أُصغي للأرصفة ..
أسمعُ وقع أقدامه
وقع أقدام العابرين
وقع أقدام العائدين
من حتفهم وحبهم وأبديتهم
وكأنهم أبناء الموت
عَبَدَة الفناء
سادة البقاء
يعبرون من خلال موتهم بكلّ ثبات
يحملون البنادق والورد والكتب والأغاني والأناشيد
ويتساقطون كأوراق تشرين فوق أرض الحقول
لا شيء يدفعني لأدوّن تاريخ القَتَلى ..
لا شيء يدفعني للتفكير بعدد المفقودين الخالدين
لا أحد يسأل كيف صار وطني
مسرح حربٍ لأبناء آوى وبنات الليل
وأصحاب اللحى
جفّت كل الأغاني يا حبّ
فغنّي في دمي ..
كم أنتَ الآن في دمي ..!
جرّب أن تقطع أوردتي
املأها بالثقوب ..
دعها تصبح ناياً وغني قصائدك في دمي ..
كم أنتَ في دمي ..!
كم أنتَ في دمي ..!!
أراكَ حولي ..
أمتلئ بكَ
تسجد روحي
أصلي .. أصلي ..
وتحتجب
!ميرفت أبوحمزة
من ديوان كنتُ أرى
Discussion about this post