كلّما هممتُ برمي حجرٍ، ماتَ في يَدي
يدي الّتي تلعثَمَتْ
عندما أوهمَتْها عيني
أنّ العالم كلَّهُ منْ زجاج
يمكنُ تأنيثُ الحزن
مثلما يمكنُ تذكيرُ الدمعةِ
كلاهُما واقفانِ على بابِ الروح
رهناً لإشارةِ من الظلامِ
وحسبُكَ عندئذ أن لا يراكَ أحد
حسبُكَ أن يرتطمَ بكَ
مبصرٌ، أو أعمى ممَّن يبحثونَ عنك
ليعلنَ على المَلأ
أنّه يمسكُ بكَ من أكمامِ قميصِك
وعليه أن يمضي بك إلى الواقفينَ في الضوء
ليعرفوا من أنتَ
وكيفَ سقطتَ في هذهِ البركةِ المعتمة؟
في خاطرِ العربةِ المسرعة
رجلٌ في الطابق الثالث
يتخيّرُ لنفسهِ بلاداً تحتَ عجلاتِها
لكنّه يتمهّل
كلّما أبطأ السائق لسببٍ مجهول
يتمهّل كي يردَّ على مكالمةِ حبيبته
يقول لها: إنّه بخير
وإنّه أقربُ من الآخرينَ إلى السماء
وإنّه لم ينس أن يلبسَ قميصاً
هيّأتْهُ له هذا الصباح
رجلٌ يرى في الطابقِ الثالث
مالا يكفي للتحديقِ بوضوحٍ
في صورةِ بلادٍ ستواري جسدَه
رجلٌ في خاطرِ العربات جميعِها
لا أحدَ يتحدّثُ عن عاصفة
رجلُ المرور يكتفي بتحذيرِ العربات
التي تعبر الطريق الصحراوي
البحّارة ينامون ليلةً أخرى في فندق المدينة
القتلةُ يغتنمون الفرصةَ
عند اختلاطِ دخانِ الرصاص بالغبار
العشّاق يلعنون سوءَ الطالع
بينما رجلٌ وحيد
يواصلُ حرقَ أشياء قديمةٍ
ماتت في ذاكرتِه
وينثرُ رمادها في الفضاء
ثم يفتّش عمَّن يحزنُه تشوّشُ الرؤية
فيتحدَّثُ بألمٍ عميقٍ عن العاصفة
لا أُغيِّرُ عاداتي
لكنّي على الأَقلِّ
أَسعى إلى ابتكارِ صيغةٍ أقلَّ ضراوةً للأملِ
فألوِّحُ بيدي في الشّارعِ
كمنْ يريدُ ترويعَ حمامةٍ
ولستُ أعنيكَ أبداً أيُّها التأريخ
فأنتَ سائقُ حافلةٍ بغيضٌ
تثيرُ كثيراً منَ الغبارِ حينَ تقتربُ
و سأكتبُ على البابِ كثيراً من العباراتِ
الَّتي لا يعرفُها أحدٌ سواها
لتطمئِنَّ إلى نومي
في زاويةٍ قَصِيَّةٍ من المنزلِ
قبل أن تقفلَ بابَ الحُزنِ
على تواريخ مبهمةٍ
وبيتٍ طينِيٍّ يفتِّشُ عنْ نارٍ
تمْنَحُه رداءً من الخزَف
أضيعُ أحياناً
كما يضيعُ خاتمٌ في بئر
فيتوهّم من أحبهّم أنّي دلوٌ خائب
لكنّي في النهاية
أعثر على نفسي ملقىً على اليابسةِ
مبتلاًّ ووحيداً كذئبٍ أدركه المطر
فتراقصتْ أعضاؤه
وارتعشَ كيْ ينفضَ الماءَ عن جلدِه
ثمّ مضى تاركاً وراءه
فكرةً عن الخاتم الذي ضاع
في رأس امرأة تلوّنُ أظافرها في بهوِ المنزل
وفكرةً أخرى عن دَلوٍ يشتعلُ عطشاً
في رؤوسٍ تتناوحُ حيثُما رأتْ غيمةً سوداء
أو حبلاً يتهادى وحيداً
كَمَنْ يعلنُ عن نجاتِهِ منَ الغرَق
عبود الجابري
عمّان
Discussion about this post