زينب وربيع الصمود
بقلم/ ربيعة بوزناد
كان الخريف قد حل على غزة، لكن زينب شعرت أن حياتها لا تزال في ربيعها. كانت الحرب قد سرقت الكثير، لكنها لم تستطع أن تسلب منها روحها المليئة بالحياة. اليوم، في عيد ميلادها، جلست زينب أمام نافذة صغيرة، تراقب السماء الملبدة بالغيوم وكأنها تتحدى كل الظلام الذي خيم على مدينتها.
“العمر ليس إلا رقمًا”، فكرت زينب وهي تنظر إلى السماء الرمادية. سنوات الحصار والقصف كانت قاسية، لكن روحها ظلت شابة. لقد أدركت أن العمر الحقيقي لا يقاس بعدد السنوات، بل بما تحمله في قلبك. وهي، رغم كل شيء، حملت في قلبها طفلة مليئة بالنشاط والفرح، طفلة لم تترك الحرب تسلبها إياها.
في زاوية غرفتها المتواضعة، كان هناك صندوق صغير. فتحت زينب الصندوق وأخرجت منه صورًا قديمة، صورًا لأيام كانت فيها الحياة أبسط، وأقل قسوة. وجوه الأصدقاء والعائلة الذين رحلوا أو تفرقوا بفعل الحرب، لكنهم ظلوا جزءًا من حياتها. كانت تعلم أن العائلة ليست فقط من لحم ودم، بل هي من يكونون لك سندًا في الأوقات الصعبة، من يحبونك بكل حالاتك، ومن يمدونك بالقوة عندما تشعر بالضعف.
“كل عام وأنا بخير”، همست زينب لنفسها وهي تتأمل صور أحبائها. كانت تعرف أن عيد ميلادها هذا ليس كسائر الأعياد، لكنه كان تذكيرًا لها بأنها لا تزال هنا، لا تزال تقاوم. وسط أصوات القصف والانفجارات، كان هناك صوت آخر أقوى، صوت الأمل الذي ينبض في قلبها.
رفعت زينب عينيها إلى السماء، وكأنها تناجي الله:
“يا رب، إن قلبي بين يديك، فاجعله قويًا رغم كل ما يعصف به. وامنحني نورك كلما أظلمت طريقي، واملأني بالسلام في أوقات الشدة.”
في تلك اللحظة، شعرت زينب بشيء مختلف. كان هناك نور داخلي يملأ قلبها، نور لا يمكن للظلام أن يخنقه. أغمضت عينيها للحظة، وقررت أن تستمر في حياتها، أن تحتفل بربيعها الداخلي، مهما كان الخريف قد حل في الخارج.
في الصباح التالي، استيقظت زينب على ضوء الشمس الذي تسلل من الشباك المكسور. كانت السماء صافية، وكأنها وعد جديد بأن الغد سيحمل في طياته أملًا جديدًا. “كل عام وأنا بخير، لأن الفرح هو سر بقائي”، قالت وهي تبتسم.
الكاتبة/ ربيعة بوزناد
Discussion about this post