في شرفة منزلها المطلة على الحديقة ، جلست “ليلى” في مساء هادئ كعادتها، ترشف فنجانًا من الشاي، تستنشق عطر الياسمين الذي يملأ الأجواء، وتتأمل حفيف الأشجار الخضراء التي تلوح بأغصانها مع النسيم. تلك الحديقة كانت دائمًا ملاذها من صخب الحياة وضغوطها. لكن هذا المساء، شيء ما في قلبها كان مختلفًا.
رنّ هاتفها فجأة، رسالة وصلت تُخبرها بإلغاء الموعد الذي كانت تنتظره بشغف. لم تكن المرة الأولى التي يُلغى فيها اللقاء، لكنها كانت المرة التي جعلت صبرها ينهار. عندما قرأت الرسالة، سقط الهاتف من يدها. سقط ببطء كما لو كان يجسد سقوط كل آمالها، ارتطم بالأرض وتكسرت شاشته إلى قطع صغيرة، تناثرت على البلاط البارد.
نظرت ليلى إلى شظايا الهاتف المتناثرة، وكأنها ترى في كل قطعة من الشاشة انعكاسًا لانكسار قلبها. لوهلة، كانت غير قادرة على التحرك، تحولت اللحظة إلى مزيج من الصدمة والحزن. وكأنّ الحديقة من حولها، بكل ما فيها من جمال، بدأت تتلاشى في عينيها، وأصبحت مجرد مشهد صامت يحمل ثقل الجفاء.
وضعت يدها على صدرها، محاولة السيطرة على ألمها، ثم همست بصوت مكسور: “لستَ جديرًا بالوفاء.” كانت الكلمات تنساب منها دون مقاومة، وكأنها كانت تنتظر هذه اللحظة منذ زمن بعيد. الحديقة التي كانت دائمًا مصدرًا للراحة والهدوء، بدت الآن وكأنها تعكس شعورها الداخلي بالخيانة.
وقفت من كرسيها ببطء، تتأمل الأشجار والزهور، لكنها لم تعد تشعر بالارتباط بها كما كانت. بدا وكأن تلك الزهور التي طالما أحبتها، تلك التي كانت تشاهدها تتفتح وتزهر، تذبل الآن أمام عينيها. شعرت أن كل شيء من حولها، حتى الطبيعة نفسها، كان يتغير.
وفي أعماقها، بدأت ذكرياتها القديمة تطفو على السطح. كانت تلك الذكريات كأزهار ربيعية تُزهر في الشتاء، تتحدى برودة الأيام وقسوة الفصول. رغم الألم، لم تستطع أن تنكر أن الأمل كان لا يزال ينبض بداخلها. “في أعماق القلب نبض لا يزال يحمل الأمل، كضوء خافت يشع وسط عتمة الأيام، وكأنه زهرة ربيعية تتفتح رغم قسوة الفصول.”
لكن في نفس الوقت، كان هناك شعور عميق بالخيانة. كيف يمكن للوعود التي كانت تتردد على لسانه أن تتحول إلى مجرد كلمات فارغة؟ كيف لها أن تعيش في وهمٍ من الحب، بينما كان هو يتجاهلها؟ “كيف جرحتْ عينيَّ عيناه؟ كيف مزق فؤادًا كان قد أواه؟” كانت الأسئلة تتردد في عقلها كصدى لا ينتهي.
وبينما كانت تقف على حافة الشرفة، تتأمل الحديقة، أدركت أن الزمن يمضي، حتى لو توقف قلبها عند تلك اللحظة. كانت تعرف أن الألم لا يدوم، وأن الحديقة ستزهر من جديد. مع كل رياح باردة تمر، تأتي بعدها نسمة دافئة تحمل معها وعود الربيع.
Discussion about this post