( عطاء الله)
كل شيء في الدنيا قسمة و نصيب ، الزواج ، الأولاد ، الفقر و الغنى كلها أمور مقدرة .
إبراهيم رجل تزوج إلى ما يقارب سبع سنوات و لم ينجب أطفالا ، رغم أنه و زوجته طرقوا كل الأبواب للعلاج ليكون الحمل و الإنجاب ، و قد خاب مسعاهما .
في يوم طلبت منه زوجته ” تهاني ” الإنفصال و الطلاق قائلة : لم أعد أحتمل هذا العيش المقيت ، كم انتظرت أن أكون أمَّاً ، أصبح عمري أكثر من الثلاثين عاما ، قد يتغير الحال و أحقق ما انتظرته ، لكن إبراهيم فكر بالعِشرة و الأيام التي قَضَياها سَوِيّا و أن هذا قَدَرُهما فـ اللهُ يهب لِمَن يشاء إناثا و يهبُ مَن يشاء ذكورا ، و لكن نزولاً عند رغبة تهاني تم الطلاق .
عادت تهاني ابنة 31 عاما إلى بيت أهلها مطلقة ، منكسرة الجَناح ، مَرَّت شهور العِدَّة و تهاني في بيت أهلها لا تخرج إلى أي مكان ، أما إبراهيم فقد كان يتألَّمُ و يتأمل بأن تعيد تهاني حساباتها و تعود ، فقد كان يحبها و مؤمنا بأن هذا عطاء من الله و هِبَةٌ و مِنَّة ويجب أن نشكر الله على كل أمر .
مرت عدة شهور ، فإذا بأم إبراهيم تقول : يا بُنيّ إلى متى ستبقى حزينا ، إلى متى ستبقى بلا زواج ؟ يجب أن تتزوج ليكون لديك زوجة تقوم على خِدمتك ، و تراعي بَيتك ، فعلا بحثت أم إبراهيم عن عروسٍ لابنها فوقع الاختيار على ” آية ” فتاة متوسطة الجمال ، عمرها 33 عاما ، و أم لطفل اسمه ثائر عمره سنتان استشهد زوجها قبل عام ونصف و كانت ترفض الزواج لتربي ابنها ثائر وتقول ” هو اللي طلعت بيه من الدنيا ”
تقدم إبراهيم لخطبة( آية أم ثائر ) و تكفَّل برعاية ابنها بعد أن أخبرها أنه لا ينجب و طفلها سيكون ولدا له ، وافقت آية على الزواج و كان ثائر يُعامَلُ مُعامَلَة الابن الحقيقي فعلا .
كبر ثائر برعاية آية و إبراهيم إلى أن دخل كلية الطب و تكفل إبراهيم مصاريف الدراسة ، عاش ثائر و إبراهيم ابن و أب فقد عوض الله ثائر بـ أب حنون و عوض إبراهيم بالابن البار و الزوجة الصالحة .
على الجانب الآخر فقد تزوجت تهاني من أحمد و سافرت إلى بلد عربي حيث كان زوجها يعمل هناك ، و قد كانت المفاجأة السارة والغير متوقعة ، بعد الزواج بخمسة شهور تبين أن تهاني حامل و ستكون أمّاً لطفلة جميلة وادعة .
أنجبت تهاني طفلتها ” مِسك ” و قد كبرت “مسك” إلى أن أنهت الثانوية العامة فقرر أحمد العودة إلى الوطن بعد أن قضى ما يقارب خمسا و عشرين سنة مغتربا ، بعد العودة إلى الوطن التحقت مِسك بكلية الصيدلة .
شاءت الأقدار و أن يلتقي ثائر و مِسك في الجامعة و يُعجبُ بها و يتقرب منها خلال سنوات الدراسة ، و قد أعجبت به أيضا و اتفقا على أن يبقى حبهما طي الكتمان إلى أن ينتهيا من الدراسة، مرت الأيام و الشهور و تخرج ثائر ، ثم التحق للعمل في المستشفى الوطني ، أما مِسك كانت في السنة الأخيرة ، اتفقا على أن يأتي ثائر مع والده و والدته ليخطبا مِسك لابنهما ، و قد أخبرت مِسك والديها بقدوم العريس و أسرته ، و لأن ثائر كان اسمه على اسم والده الشهيد ، حين ذكرت مسك الاسم لوالديها لم تعرف تهاني أن إبراهيم ـ زوجها السابق – هو الآتي مع زوجته آية ، وصل إبراهيم و آية مع العريس ثائر و كان أحمد باستقبالهم و الترحيب بهم ، أما تهاني فقد كانت بالمطبخ تعد الضيافة ، قدمت مِسك القهوة و جلست معهم ، ثم حضرت تهاني تحمل الحلويات ، أثناء تقديمها فوجئ إبراهيم بها و قال في نفسه ـ هل يُعقل أن تكون هي ، تهاني ، ماذا تفعل هنا ، هل هي أمُّ مِسك ؟ و أثناء ذلك ، وقعت عين تهاني على إبراهيم لتقطع الشك باليقين ـ وقفت بذهول تام ، و كأن الصَّدمَة كانت أكبر ، مما جعلها تحس بدوار ، كادت تقع مَغْشيَّا عليها ، أسرع إليها أحمد و احتضنها بين يديه فهي زوجته التي أحبها و أمّ ابنته الوحيدة ” مسك ” الكل وقف مندهشا لهذا الموقف و لا أحد يستطيع تفسير الحدث ، إلى أن استعادت تهاني وعيها ، و أخبرت زوجها أحمد بأن إبراهيم هو زوجها السابق و قد طلبت الطلاق منه لأنه عقيم ، فخرج أحمد ليفهم حقيقة الأمر من إبراهيم فأخبره بأن ثائر هو ابن زوجته آية و قد قام على رعايته و هو بمثابة ابنه الحقيقي و يطلب يد مسك لتكون زوجة لابنه الدكتور ثائر ، في البداية كان التردد يُخيِّم على الجميع ، طلب أحمد مهلة للرَّد بالقبول أو الرَّفض .
مضت عدة أيام ، و كان ثائر و “مِسك” الأكثر توتراً و قلقا ، تحدث أحمد إلى ابنته مِسك بحضور زوجته تهاني ، أخبرت مِسك والدها عن حبها و أنها لا تريد من هذه الدنيا غير ثائر ، قائلة ما ذنب ثائر و ما ذنبي أنا ؟ فكر أحمد بمستقبل ابنته و أن ثائر عريس محترم لا يعوض و حاول إقناع تهاني بالموافقة ، اتصل أحمد على أسرة إبراهيم و أخبرهم بالموافقة ، اجتمعت الأسرتان و التقتا على المحبة و الوئام و تم الزفاف على صاحبة الصون و العفاف .
عاشت مِسك و ثائر في شقة أعدها إبراهيم لهما ، و كانت الأسرتين تجتمعان على المحبة المغلفة بالاحترام والتقدير ، و تُوِّجَ هذا الحب بتوأمين بنت أسمياها تهاني و ولد أسمياه إبراهيم تقديرا و احتراما و عرفانا بالجميل ، لأنه كان نِعمَ الأب لثائر طيلة هذه السنوات و ما زال ، و قد أصبح إبراهيم و تهاني أخوين يكبران سويا ، و الجميع يعيش بسعادة غامرة .
بقلم أ. سامية البابا
فلسطين
Discussion about this post