في زاوية مهجورة من المكتبة القديمة، جلس رجل غريب الأطوار يطالع كتابًا لا غلاف له. الأوراق كانت بيضاء تمامًا، لكنها تتحدث بصوت خفي، ينزلق بين أسطر غير مرئية. اقتربت منه، فابتسم ابتسامة باهتة وقال: “هل تسمعها؟ الكلمات التي لا يمكن رؤيتها؟” تجمدت، شعرت بأن الأرض تحت قدمي بدأت تتلاشى.
سألته: “كيف أسمع ما لا يُرى؟”
رد، وقد غمرت عينيه غيوم غامضة: “الكلمات ليست دائمًا مكتوبة بالحبر، أحيانًا تهمس في العقل دون أن تُدرك، تقرأها القلوب لا العيون.”
بينما كنت أبحث عن أي علامة تدل على هذه الكلمات، شعرت بأن الفضاء حولي بدأ يلتف، كما لو أنني جزء من صفحة في كتاب لا نهاية له. العالم كما كنت أعرفه تحوّل إلى متاهة من الأفكار، الأبواب تُفتح إلى العدم، والظلال تتحدث بصمت مطلق.
فجأة، وضع يده على صدري وقال: “ليس كل من يقرأ يُدرك. البعض يسافر بين السطور دون رجعة.”
تركته هناك، في عتمة المكتبة، وخرجت، لكنني لم أعد كما كنت. العالم الخارجي صار كالحلم الضبابي، وأنا صرت سطرًا جديدًا في كتاب غير مرئي.
Discussion about this post