قصة قصيرة
ليلى مير – المغرب
فتحت عينيها بعد قيلولة قصيرة، أحست بالدهشة، بذلت مجهودًا جبارًا لتعرف المكان، جدران بيضاء، سرير وشراشف بيضاء أيضا، اللون الأبيض في الأنحاء، كأنها أكفان تمهد للرحلة الأخيرة، تنهدت ثم اعتدلت في جلستها بمشقة، وبحركة آلية تناولت السبحة المعلقة على مسمار بجوار السرير، وراحت تسبح وتتأمل السياج المحيط بالحديقة، تناهت إليها أصوات أطفال يلعبون في الحي المجاور، حاولت أن تتصور أشكالهم وملابسهم، تساءلت متى كان آخر عهدها بالحياة، تحسدها الرفيقات لأن نافذة غرفتها تطلُّ على البستان، أشجار الزيتون محملة بالبراعم، منها ما يتساقط ويملا المكان، التعب يجتاحها وهي تحاول عد مواسم الجني التي مرت عليها وهي في هذه الدار، شريط السنين يمر في ذاكرتها بلون واحد، تتخلله أحيانًا خطوط حمراء، وصفراء، ربما تؤرخ لفترات مرض شديد، أو موت إحدى الرفيقات . نظرت إلى يديها المعوجتين، عروق زرقاء برزت للعيان، في قدميها خشونة تتحول شيئًا فشيئا إلى التهابات تحرمها طعم النوم، الدموع تنهمر على خديها، لم تحاول إيقافها، جفاف غريب يجتاح حلقها . مدت يدها إلى قنينة الماء، تمسكت بها جيدًا قبل أن تصبَّ الماء في الكوب، لكن نصفها اندلق على ثيابها، لم ترد أن تنادي (سعاد) الفتاة المكلفة برعاية الجناح، كانت قد صرخت في وجهها هذا الصباح بعدما نسيت صنبور الماء مفتوحًا في الحمام، قامت بمشقة وبمنشفة حاولت تجفيف الثوب والمكان رفعت عينيها ، رفيقتها في الغرفة تنظر إليها دون أن تراها، وبين الحين والآخر تنفجر ضاحكة، أو يغلبها نحيب متشنج، رباه أهي النهاية التي يهون إزاءها الموت المحقق؟ لاحظت أن بقع الماء تعاندها وتبقى في مكانها، فعادت إلى سبحتها تتمتم بأذكار مألوفة، لمحت رفيقتها تبحث في الدرج عن شيء تتناوله، غالبت زفرةً حارة وهي تتخيل صينية العشاء التي ستأتي إلى النزيلات في الغرف قبل آذان المغرب. تستسلم بعد عشائها لنوم متقطع تنتابه الهواجس من كل جهة. أقدام الماشين إلى المساجد، رائحة الخبز مؤلمة، سلطان النوم كالمخدر.. تنفرج شفتاها عن طاقم ينحرف عن مكانه لأدنى حركة، تصرخ بلا صوت إنه الحلم ذاته لا يتغير: طفل يجلس القرفصاء، يستمع إلى غناء امرأة فاتنة الجمال، تشتغل بمهارة أمام فرن مشتعل و تدير ظهرها إليه، يلاعب الطفل خصلاتها الذهبية بأصابعه الفتية، وبيده الاخرى قطعة من زبدة طرية..
Discussion about this post