اَلمُثقف لَيْس ذَلِك الإنْسان اَلذِي يَملِك مَخزُونا مِن المعْلومات فقط ، بل هُو ذَلِك الإنْسان اَلذِي يَملِك موْقفًا مُسْتقِلًّا تُجَاه الواقُعٌ والْحياة. وٌآلَمًثًقُفُ نِوٌعٌآنِ المثقف التقليديَ هو المثقفُ الذي يتخذ من الحيادٍ موقُفُآ له ويتجّردٍ من الانتمآء لطبقتٌهّ او لأيَ جماعة اخرى ويراكم المعرفة بعيداً عن المشاكل والأزمات وحالة الاضطهاد التي يعاني منها المجتمع ولايستشعر هموم شعبه ولا يسعى ان يوظف إمكانياته المعرفية والثقافية في تغير حالهم للأفضل.
المثقف العضوي هو المثقف الذي يعيش مع الناس همومهم ومشاكلهم والالم الذي يشعرون به وياخذ على عاتقه مهمة تغير حال الطبقة التي ينتمي اليها للأفضلَ، لذا فإن المثقف العضوٌيَ هو المثقف الحقيقي الذي يعيش هموٌمً عصرهّ ويرتبط بقضايا أمته، فلا فُآئدٍةّ لهذِآ المجّتٌمًعٌ من مثقُفُ يرآکْمً المًعٌرفُةّ النِظُريَةّ او التنِظُيَريَةّ منفصلآ عنِ الحياةّ وعنِ آلَنِآسِ
آلَمًقُصّوٌدٍ بًآلَخِيانة هنا، الخيانة المَعرفية ، وليسَ الخيانة الوَطنية.
تقع – بلا شك – على عاتق المثقف قول الحقيقة، وفضح الأكاذيب الفكرية، ومُحاربة الدّجل، ونقض الخرافات السائدة.
و المُثقف – في تقديري – يخون ذاتَه المعرفية أولاً ، و أبناءَ مُجتمعه ثانياً ،
عندما لا يَجرؤ على البوحِ بالحقيقة الواجب قولها منْ أجل تنوير عقول العامة. وعندما يتهرّب من المساهمة اللازمة في تشجيع إعمال العقل، وتحسين شروط الحياة الفكرية الراهنة، وعدم العمل على تغيير حال المجتمع الذي يعيش وسطه إلى حالٍِ أفضل ، و عند الكفّ عن تقديم المساعدة لنقله من واقع متخلف مُذري إلى واقع أخر متقدم .
لكن لماذا لا يَجرؤ المُثقف عندنا على قولِ الحقيقة ؟
هل بسببِ عجزه وجُبنه.؟ بمعنى أن ” العقلاء جبناء” كما يُقال ، أم بسبب قصور إدراكه عن قراءة حقيقة المشهد الاجتماعي من حوله .؟
أم يا ترى بسبب شكّه المنهجي المُستمر، وقلقه الفكري الدائم ، فيما يعتقد ويزعم أنه حقيقة مؤقتة؟ .
أو ربّما ، بسبب الخوف الذي يعتريه، لمُجرد تصوره لقوة وحجم ردة فعل الجماهير من حوله، على ما سيقول أو يَدحض أو يُنكر و يُبرهنْ.
بخاصة، إذا ما عَلم مُسبقاً، ذهن هذا الكائن المُتسائل، أنه قد يهزّ بأسئلته الصميمية، وعلوم معارفه الجديدة ، عروش يقينات راسخة منذ قرون خلت، اعتاد الناس على وجودها الراسخ بينهم، واصطلحوا على أنّها حقُ مُبين.
أمْ لَعلّه الخوف على حياته وسلامته الشخصية، منْ بطش السُّلطات الحاكمة و الغاشمة، التي بيدها ملكوت الأفكار و استقامة الأفهام .. و التي يَحقُ لها فقط ، أنْ تَهب لكلِّ ذي لبٍ مكانة ومقام .؟
هناكَ منْ المثقفين منْ يرى أنْ ليس هناك من طريقةٍ مُهذبةٍ، لإخبار شخص ما ، أنه كرّس حياته لحماقة فكرية أو خرافة اعتقادية..
ولهذا هو يؤيّد أسلوب قتل العامة بالصدمة، و بالإفصاح المباشر عن كل الحقيقة دفعةًَ واحدة..
لإعتقاده أنّ الترقيع الفكري، لنْ يُؤدي الى أيّة فائدة جادة أو مَرجوة، وبالتالي هو يرى أنّ الاستمرار في تدوير أطراف ظلمات الجهل، أو تحسين قبح الخرافة، لنْ يؤدي مطلقاً إلى التنوير الحق.
بل على العكس، قد يؤدي ذلك ، إلى استشراس العتمة على ضياء العقل ، وتغوّل سلطة الجهل، على مرابض النور ، وبالتالي هزيمة ضوء الحقيقة تماماً.
وهناك منْ المُثقفين منْ يرى ضرورة إلجام العَوام، وإبْعادَهم تماماً عنْ مَرام الفهم وعميق الفكر و حكمة الكلام ..
ولهذا يُنادي بوجوب عدم التصريح تماماً ، حين تقديم بعض الحقيقة للناس، لأنّ ترياق الحقيقة -في رأيه – فيه سمٌ زعاف ، انْ أكثرت قتلت بدلاً منْ أن تَشفي.,, خاصةً، أذا ما كانتْ أكثريّة المُجتمع المعيش، منْ أسافل الغوغاء وأجاهل المرضى .
و يرجو دائماً في مقاله، عدم الإصطدام مع أفهام العامة، فيتوخى الحذر الشديد في عباراته وكلماته وردود أجوبته، و تراهُ غالباً ما يميل إلى جميل اللغو والبيان ، و استعمال زخرف القول في تصدير أحكامه ، وتشويش مرامه عنْ الغوغاء ورعاع المُتعلمين.
لكن في المناسبة، منْ قال أنّ هذا المُثقف – من كلا الرأيين – هو – حقاً – مثقف ذو ذهن صادق في دعواه ، و روعٌ مخلص في أفكاره وتساؤلاته .؟
أليس من المُحتمل أن يكون هذا المثقف مجرّد إمعة منابر ، شكلته الظروف والصدف، ودفعه الإدقاع المعرفي والشظف، إلى صدارة المشهد الثقافي في المجتمع ..
و ربّما لا يشغله شاغل، سوى بناء ذاته، وتحصيل مصالحه، و أن كل مايقوله أو يكتبه ، ليس إخلاصاً للحقيقة ، إنّما يهدف من ورائه الشهرة والحضور ، أو تأكيد الذات وحب النشور وحسب .؟
ثم من ناحية أخرى . أليس من الطبيعي أنْ يثور الناس على من يعتقدون أنه يتجرأ على قدس أقداسهم .؟ دون أية كياسة أو حنكة أو أدب.؟
و كيف لهم أن يسكتوا أو يستكينوا أمام تفنيد خرافاتهم المعهودة، بخاصةً، تلك التي تتسربل بوشاح المُقدّس، التي نعلم جيداً ، ما لها منْ أثر وسطوة، وتوجيه وتحكّم ، في إتجاهات ومشاعر وعواطف الإنسان وأنماط تفكيره .
ألا يعني هذا، أنّه من الواجب على المُثقّف الحصيف، البحث دائماً، عن الوسيلة المثلى، التي تُساعده على الإقتراب الأسلم والأنجع من أفهام الجماهير ومعتقداتها ؟
والبحث عن أساليب تنوير وتوجيه ذكية، كالتدرّج و التلميح والإيجاز مثلاً، عند الاقتراب الذكي من ظلال الحقائق، بدلاً من التصريح بها .. وبالتالي تجنب الاصطدام المباشر مع أفهام العامة الضيقة.
من جعل المثقف يخون؟؟؟؟
إنه سؤال نابع من هاجسين عميقين: فقدان “البوصلة الفكرية” ومشكلة “التسطيح المؤسسي”.
التسطيح الأجتماعي ، معاملة الشعوب كأطفال لا كبالغيين، تسطيح المفاهيم والأعمال الفنية وغيرها بقصد أن تصل لأكبر شريحة ممكنة من الجمهور ، تدجين المثقفين والمفكرين داخل المؤسسات البحثية وتحوليهم لمجرد موظفين أضافة لتهميشهم أعلامياً ومجتمعياً وجعلهم محل سخرية ، وفي المقابل دعم الفنانين ونجوم كرة القدم والأعلاميين وكتاب القصص وتصديرهم كنجوم وقادة ونماذج يحتذى بها والاعتماد عليهم في تشكيل وعي شعوبهم ، فتكون النتيجة شعوب مسطحه بلا وعي ولا ذاكرة ولا عقل نقدي. فالجامعات بعد أن كانت بؤرة إبداعية وثقافية في الماضي، أصبحت مكاناً يضم الأذكياء رفيعي التعليم، وأكاديميين مهنيين، لكنهم بالتأكيد لا يعدون ضمن الطبقة المثقفة المؤثرة.
إن المثقف الحقيقي أصبح كائناً مهدداً بالانقراض؛ بسبب طوفان مدعي الثقافة الذين هيمنوا على الساحة الثقافية دون محتوى أخلاقي، على الرغم من أنه يفترض أن الثقافة عالية الأداء والجودة تتطلب بالضرورة مشتغلين رفيعي المستوى لا أن تتعرض للترهل بسبب اندفاع الأشخاص العاديين لميادينها الفكرية والأكاديمية
أن يكون المرء مثقفا يعني أن ينخرط اجتماعيا . يصعب على المرء أن يعيش من أجل الأفكار ولا يحاول أن يؤثر في مجتمعه ، والأمر لا يتضمن فقط الانخراط في النشاط الذهني الإبداعي ، بل أيضا افتراض المسؤولية الاجتماعية واتخاذ المواقف..
هل المثقف الجزائري يخون مجتمعه؟؟؟؟؟
(المثقف الجزائري)ينظر إلى نفسه على أنه إنسان غير عادي، ولا يشبه عامة الناس في شيء، وفي بعض الأحيان قد يتعالى عليهم بفلسفات محيرة كي يثبت تفوقه وسمو مكانته. فهو يرى في نفسه المنقذ الأول لمجتمعه من السقوط في براثن الجهل والتخلف، والمدافع الأول عنه أمام السلطة السياسية وانه مثقف عضوي ومناضل ولكن الواقع يثبت اننا امام مثققف جبان خائف مثقف محايد ذو ركام معرفي فقط لايلتزم قيميا نحو مجتمعه خصوصا ان المثقف الجزائري متهم بالخيانة منذ ايام الثورة هدا الوصم الاجتماعي الذي يلاحقه اضافة لانعدام الحرية الاكاديمية جعلته يهمش ثم يختفي ولا يهتم بتغيير مجتمعه بل تحول لمثقف خبير مثقف بلاطوهات فقط مثقف بلا ثقافة ولا فكر مثقف خبزيست او مثقف قريب من السلطة.
باحث في علم الاجتماع من الجزائر 🇩🇿
Discussion about this post