فسكت الجميع احتراما لما ألم بها وباشروا في دفن القتيل وكان صانع السيوف أول الحاضرين.
فقالت الأم المفجوعة: آه على يد نبيلتا صنعت سيفا بتارا ولا تدري أقتل به شر أم أنبل الاخيار.
فقال صانع السيف: أقتل ابنك بسيف صنعته يدي
قالت: أجل.
قال : ليتها قطعت وما صنعت ما ينزل الدمع ويدمي
الفؤاد.
فذهب صانع السيوف إلى الشاب و سأله : الحسام الذي أهديتك إياه سفك دم من
فقال الشاب: أدحض باطلا و سكت
فساله مرة أخرى نفس السؤال فأجاب نفس الإجابة وانصرف.
فعاد صانع السيف إلى الأم المفجوعة وسألها فيما قتل ابنك
فقالت: علمت أنه أحدث أمرا مريبا قتل به لكنني لم أجد دليلا قاطعا حتى وإن أجمع الكل على هذا إدانته.
ما هكذا كان ولدي لأنه بار وتقي.
وظلت المرأة المسكينة بين أمرين لا تتقبل أي منهما بين قول مؤيد وقول آخر مفند وتضارب الأخبار و
الروايات .
وكل يدلي بدلوه كأنه عايش الحدث برمته الجميع يخوض في القضية دون وجه حق. ولم يرو عين
اليقين مما حدث شيئا.
ما زاد الطين بلتا وزاد في ألم الثكلى المسكينة ففضلت غلق ملف القضية واحتساب الله في الأمر ضنا منها
أن ابنها قتل بحق
لأن الأغلبية أجمعوا على أنه أحدث أمرا مريبا فسلمت بالأمر.
ومرت ثلاثة أيام الحزن قابع في تلك القرية .
وكان صانع السيف قد أغلق دكانه لأنه أجس بالذنب تجاه ما حدث وأنبه ضميره لأنه من صنع سلاح الجريمة.
وظل هو الآخر قابعا يجتر أحزانا يتقاسمها مع المرأة الحزينة.
فمر الشاب صاحب السيف بالدكان الذي كان مقفلا وصاحبه حذائه وقال للرجل : هلا فتحت دكانك يا سيدي
وعلمي كيف أصنع السيوف.
فأحجم الرجل عن الرد وأقفل راجعا إلى بيته.
فقال الشاب: على رسلك يا سيدي ألا تحادثني
قال الرجل :دعني وشأني.
قال الشاب ما خطبك يا سيدي هل بدر مني ما
لشخصك
يسيئ
فقال له: بلى يا ولدي.
لقد صنعت لك سيفا لم يصنع مثله ولا قبله ولن يصنع بعده قط فقتلت به شابا لم يخلق مثله ولا بعده بين
الأنام.
الشاب بل قتلت به شرا لم يخلق مثله ولا قبله ولا بعده .
فقال الرجل: أجارك الذي قتلت بهذه الصفات فو الله إنك لكذاب مفتر ولقد تركت أمه تبكي روحه وأخلاقه
معا ويحك وما صنعت
أكان قتلك له منوط برغبتك أم تحريض من سفيه ما
تكلم ثكلتك أمك لقد بلغت القلوب الحناجر وهم الرجل الطيب بصب الاتهامات والعذل لهذا الشاب.
فذهل الشاب وصعق ثم استرد أنفاسه وقال :ويحكم والله إنه أعز على من نفسي كيف لي أن أرفع سيفي لأزهق روحا أطهر من روحي ،وبكى الشاب لسوء ظنهم بصديقه. وهرول مسرعا الى الأم الثكلى وهو يتمتم
لاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم)
ويتمنى من الله أن يزرع الرحمة في قلب الأم لتسامحه على كتم سر موت ابنها.
ولما وصل إليها وجدها تئن تحت وطأة الشك وتتأرجح بين طيات الأنين .
قال لها : أماه أيوجد في قلبك مكان للصفح
فقالت: عمن أصفح
قال : عني
قالت: لما
قال : كتمت عنك أمرا و والله لهو الحق لا غير.
قالت: فيما
قال: في حقيقة مقتل ابنك.
قالت: ويحك أتنكر علي حقي في ان أعرف تفاصيل الموت الغاشم الذي اردى ابني قتيلا.
أ أنت قاتله
قال : لا. إن قتلته فأنا القاتل والمقتول معا. وقول أن سيفي أدحض باطلا لم يكن ولدك.
فقالت: فمن تراه يحقد على ابني لدرجة قتله
فقال : إنه حاسد حاقد معترض على قسمة الله بين خلقه .
منافسة
تريثي أماه سأحكي لك كل ما حدث.
فقالت: وماذا حدث بالضبط
فقال : بدأت الحكاية في يوم جميل كنا أنا وابنك نتسابق مع بعض من الفتية وكان أحدهم لم يهزم في أي
من قبل كان محتالا فخورا يملاه التبجح والكبر ولما فاز ابنك وهو أصغرنا وتفوق عن الجميع
وانطلقت الالسن بالثناء والمدح أثار هذا الإطراء حفيظته واشتعلت نار الحسد الذي تحول إلى حقد دفين
لم نع هذا إلا بعد أن أصبح همه الوحيد هو الانتقاص من قدره دون سبب ومحاولة خلق اسباب للمشاحنة
واستفزازه بشتى الوسائل والشرار الاسود يتطاير من قلبه.
فاتفق مع بعض من أشباه البشر من اجل إحالة حياته الهادئة إلى قلق دائم وعندما علمت بالأمر حاولت أن
أجعله يثوب إلى رشده.
فأبى أن يكون بشرا.
فزاد حقده على ابنك وصب حقده في حياتي حيث اقتحم بيتي وسرق ممتلكاتي وزرع الذعر في قلب أمي
العمياء وأختي التي كانت فرت إلي مستنجدتا .
كانت رسالة واضحتا لي ليقول لي لا شأن لك بالأمر تنحى جانبا وإلا .. . وأتى ابنك وأبرحه ضربا جزاء لما
فعل فأحس بقوت ابنك أكثر وفي نفس الوقت أحس بالضعف الذي يسكنه من جميع المناح.
و اشتعل شیطانه وأعد له العدة وجمع حوله كيد الكائدين وهدده انه سيدق عنقه.
ذهبت إلى صانع السيوف وطلبت منه أن يصنع لي سيفا لم يصنع مثله من قبل لأدافع به عن صديق لم يخلق
مثله ولا قبله ولا بعده لا كني أسررتها في نفسي ولا أقل من أن أتحمل مغبة صمتي وكتماني.
فقاطعته الأم قائلتا: أنت الآن بمثابة ابني حتى وأن لم ترضع من لباني ولم تتمخض في إنجابك رحمي.
هون عليك
ماذا بعد السيف
فقال : فأصبح السيف في يدي.
ذهبت إلى حيث أجتمع بابنك لنتسامر وكلي أمل في أن يدعوه وشأنه لأنه شخص يتمتع بالحلم ورباطة
الجأش وصفاء السريرة وثبات المبدأ ورقي الخلق بينما عدوه مياد سافل لا مبدأ له.
وعند وصولي إلى المكان المعهود.
فسكت وأجهش بالبكاء وكان الدمع قاتله
فقالت الأم أكمل
أكمل
فقال بعد أن استرجع أنفاسه وجدت الماكر وعصبته وقد تركوه مخضبا بدمائه وفروا وقد أفضى إلى بارئه
وانتهى الأمر
فغادرني الحلم فقتلته بصديقي فقتلت فيه شرا كبيرا.
أصبحنا كلينا قتلة. أصبحت أنا ومن كرهت كل صفاته سیان تساوينا في لحظة نقص في الإيمان فهوينا إلى
الدرك الأسفل.
لاكن لكل منا مبدأ يختلف عن الآخر لو لم نصافح يد الغدر لما التصقت بنا اشواكها وكل ما في الحياة من
تدبير الله ولو علما ما في سرائر القلوب لما أسرنا برفقة سوء.
فقالت الأم : صدقت يا بني خليل السوء جالب للسوء وساحب للهاوية ومتلف للحلم وسداد الرأي قدر الله
وما شاء فعل.
أكمل لترتاح وتريح قلب أمك
فقال الشاب: سأكمل يا أماه
فأقبلت إليكم أحمل نعيه بين يدي وفي قلبي وأحمل صورته في عقلي إلى الأبد أما عن غيابي فهو فرار من
ألمي وليسمن قتلي لولدك.
هل لي بسؤال يا أماه
فقالت : تفضل
قال كيف راودتكم الشكوك في أنه فعل شيء مريبا
فقالت: رآه أحدهم يدخل بيتك ثم طلبت أنت سلاحا ثم مات ثم لذت أنت بالفرار فحكموا عليه بالظن ولا
يغني الضن عن الحق شيء.
وها قد قلت ما قلت وتبدد الشك والحمد لله على الأقل لا يقتل مرتين مرتا بسيف والأخرى بوصمة عار
أبدية.
وقد حصحص الحق قيل أي يجف الأديم على قبره.
يجب أن لانحكم على الظاهر من الأمو فالأحداث متشابكة وبين الحف والباطل خيط رفيع إسمه الظلم لكن
عواقبه مؤلمة.
يا بني بعد أن تقضي العدالة في أمر ثأرك لولدي كن حكيما صادقا عادلا متريثا في حكمك على أخطاء غيرك.
حريصا على صقل روحك وتقوية إيمانك بالله والخضوع لأمره .
لو انكما استعنتما بكبير يرشدكما لما وقعتما في المحظور.
Discussion about this post