… ترجلت من السيارة وركضت إلى حضن أبيها، تودعه بشيء من اللوعة، بعد أن خرجت من بيتهم، بصحبة أخيها وأمها تجنبا من أذى الحرب الضروس، فهم قد تركوا بيتهم ورحلوا طلبا للسلامة التي ينشدونها بسبب الحرب التي طالت بلدهم لبنان، إذ لم تترك هذه الحرب مكانا من الأمكنة سالما إلا والقت باوزارها وثقلها واثقالها عليه، كأن بوابة الجحيم، كانت قد فتحت أبوابها هناك في تلك الناحية من بقاع الأرض.
كانت كل الكلمات التي يوصي ذاك الزوج زوجته وأولاده بها، أن ينتبهوا لأنفسهم، من غدر العدو الذي لا يعرف الرحمة، فكل ما كان عنده يصبه في آلة الموت والقتل.
كان ذاك الأب يتمتم بكلماته بشيء من الإستقرار النفسي والتسليم بقضاء الله وقدره، فلا تزال لديه الآمال مرهونة بما تخفيه الأيام، إلا أن تلك اللحظات التي كانت تمر في حياته، كانت ثقيلة، فهو كان يدرك بقرارة نفسه أن الزمن الجميل قد مضى، تاركا خلفه بعضا من الذكريات التي تكومت في ذاكرته حول ذاك المكان، الذي كان يسكنه هو وعياله. فالزمن بات إشارة تصدر من عابث بأرواح صافية، غلب عليها الحقد وحمم اللهب.
لم تكن تلك الطفلة التي عانقت والدها قد عاشت الحرب بوعي، وان كانت قد عاشت في كنف أهلها سابقا، إلا أنها الآن أدركت بشيء من الوعي والخوف معنى الحرب.
Discussion about this post