قصة. قصيرة
الكاتب انيس ميرو — زاخو
تزوج قريبي ( كريم ) بعد مرور أسبوع وحسب التقاليد في وقتها كانت العروسة تعود إلى دار أهلها تبقى لغاية ساعة متأخرة من الليل. لتلتقي مع أهلها وصديقاتها و المقربات منها. ولتقص عليهم أمور حدثت ولَم تحدث وتفاصيل نسائيه متنوعة وكنت أنا ” (سعيد )” وفعلاً سعيد الشخص الذي تولى إيصال العروسة لدار أهلها في تلك الأيام لم تكن وسائل الراحة متوفرة وغالبية البيوت كانت قديمه وخير العوائل لم تمتلك أجهزه تكييف أو حتى المراوح التقليدية البسيطة فمع غروب الشمس كانت تجري استعدادات معينه فوق سطوح غالبية الدور في تلك الفترة. كتهيئة مكان النوم و الجلوس كانت تنصب سواتر من القماش اغلبها ابيض أو سواتر معدة من القصب أو البردي بين تلك العوائل أو إحاطة مكان النُّوَّم و الجلوس بما يليق بالمقام ، وكانت تفرش السفرة و تنصب ما أعد من طبخ في انتظار الرجال بعد عودتهم من صلاة المغرب لوجبة العشاء والسمر وتكملة الفترة بشرب الشاي. ثم الفاكهة وشرب الماء البارد من الجرة ، صعدنا سطح المنزل بواسطة السلم الخشبي و تمت ترتيبات السفرة و العشاء بشكل جماعي جميل و هي مناسبة حلوة حيث الطعام مميز و لذيذ و دسم وبعد إتمام العشاء قامت الفتيات الصديقات من الجيران و صديقات العروسة بتوزيع الحلويات و الفاكهة على الحضور و اكتمل بشرب الشاي و حبات اللب و الكرز.؟؟
فوجئ الجميع بما لم يتوقعه مطلقاً و سمعنا صوتاً ملائكياً مميزاً بنطق الكلمات و الجمل وطريقة تلفظها،……( كوردستان )صوتها كان صوتاً فيروزياً ملائكيا ساحرا كانت كلماتها عزفاً على أوتار قلبي رغم أن عمري لم يكن مؤهلاً للزواج بسبب صغر سني !!حيث كنت طالباً في الصف الأول متوسط ، ولكن شاء القدر أن دخل ذلك الصوت إلى أعماق قلبي وبشكل غريب لا اعلم ما حل بي ولما تعلقت (بكوردستان، )كان القدر حاضرا لكي يغير سلوكي كله من أول نظرة اليها، كانت (كوردستان) طالبه في الصف الثاني متوسط و كانت المدرسة قريبة من دارنا فتعودت أن أراقبها عن بعد سواء حين ذهابها للمدرسة أو بعد خروجها لتعود لدارها كنت غالبا أتابعها عن بعد. وهي أحست بفيض إحساسي العاطفي تجاهها. و تبين إنها فرحة بهذه المتابعة، وكانت في مرات معينه تبتسم لي. ؟
أدمن قلبي على هذه العادة وازداد تعلقي بها يوما بعد يوم ، ومرت الأيام وتجاوزت و أصبحت سنوات في وقتها لم تكن أجهزة الهاتف الحديثة موجودة بل البدالات اليدوية وهي قديمه جداً ولَم يكن يمتلك الأهالي خط الهاتف إلا العوائل المتمكنة الغنية وهم محدودون جداً فكانت الوسيلة هي متابعتها في ذهابها من دارها الى المدرسة وحين عودتها و كان دارهم يشرف على شارعين صغيرين من الجهة الأمامية و الخلفية فكانت حركاتنا كأجهزة اتصالات حديثه فكنت المح بيدي و هيه تلمح لي بالكتاب على أساس إنها تقرأ به ومرت سنه و سنوات ونحن على هذا الحال وبدأ حبها يغزو قلبي بعنف و بدأت المشاكل الاجتماعية تلاحقني من قبل فتيان الحي في منطقه حبيبتي وأخذت تزداد يوما ً بعد آخر و بعدوانيه و بتعليقات قبيحة ووقحة من بعض الفتيان كيف لفتى غريبٌ عن حيهم ينسق علاقة غرامية مع فتاة من حيهم ..؟
كان ابن خالة (كوردستان )مقيما في دارهم و يدرس في تلك الإعدادية التي كنت أنا أيضا احد طلابها ويوما بعد يوم ازدادت المشاكل بيني و بين ابن خالتها . في إحدى الليالي اشتقت (لكوردستان )كثيرا و رغبت أن المحها كنت في حالة عشق و هيام رهيب فذهبت كالعادة لأعبر من أمام دارهم و من بعدها إكمال المسير من الشارع الخلفي للدار.!!
فوجئت أن هناك أصوات حصوات ؟تتساقط بالقرب مني وكنت قد استصحبت معي صديق عزيز معي و حين التفاتي للجهة الخلفية شاهدت احدهم يقذف بتلك الحصوات بإتجاهي فجن جنوني و كنت في وقتها احمل مسدساً وكانت طبيعة تلك الفترة شائعة و السلاح مرغوب للتباهي أو لمهام أخرى و بشكل لا إرادي سحبت المسدس و صوبته باتجاه ذلك الصبي المعتدي ورميت عدة طلقات باتجاهه و لكن (للأمانة )كنت اقصد التخويف و ليس القتل!! وحين شاهد هذا الصبي ردة فعلي بدء (يهرب )بسرعة البرق متجهاً لدارهم ولم اكتفِ برمي الطلقات بل توجهت لداره و طرقت الباب بعنف فخرجت والدة الصبي( مرعوبة) من شدة الطرق و المسدس لا يزال بيدي. فقالت :
ـ ما ذَا حدث ؟ فقلت لها:
ـ ابنك رماني بحصوات ، فترجت والدته لكونه يتيم الأب ، لهذا تركت دارهم و أكملت المشوار. و بعد رجوعي للدار لمحت تلك السيدة في دارنا وهي تشتكي لعمي لما قمت به و ذكرت له تفاصيل ما حدث فتولى عمي تأديبي بكلمات،!! وحاولت أن اشرح له موقفي لكن بلا فائدة ، وبعد أيام أخرى كانت( لكوردستان )شقيقة صغرى هي أيضاً لاحظت كثرة ترددي في حارتهم فتصرفت معي بشكل غير لائق ونطقت بكلمات نابيه وكنت بحالة عصبيه حاولت أن أضربها و لكن الفتاة هربت لدارهم وهنا فرحت من هذا الحدث فطرقت بابهم لعلي أرى (كوردستان )أو تكون هي من تفتح الباب حين تخرج لتعلم من الطارق، ولكن لسؤ الحظ خرجت والدتها، و شرحت لها الموقف الصادر من ابنتها الصغرى فوعدتني بعدم تكرار ذلك من قبل بنتها وقبلت الاعتذار.؟؟
في يوم آخر كالعادة كنت واقفاً على تلك الربوة التي تشرف على الحي السكني لدار (كوردستان )لمحت فتاة تلبس عباءة سوداء تخرج من تلك الدار و أكملت مسيرها باتجاه الربوة التي أقف عليها. فكلما قربت المسافة بيني وبينها توضحت ملامحها أكثر وتبين إنها هي (كوردستان )التي سهرتني الليالي طيلة سنين مرت هي بشخصها تسير أمامي ومرت بقربي و توجهت نحو الغدير حيث كان لهم بستان في هذا الوادي و كنت أراقبها خطوة بخطوة ولكن عن بعد، كانت (كوردستان )جالسه على حافة ضفة الغدير وأنا تائه لا أصدق ما أرى أراقبها من أعلى الرابية وبدأت تتطلع نحوي.!!
هذا الموقف ولد لدى إرباك نفسي و فكري و شُل قراري كيف أتصرف وأصبحت ( كالأخرق ) التائه لا يحل و لا يربط ، فقط أنظر إليها و تسارعت دقات قلبي و عجزت عن النطق و التصرف السليم حيث من شدة المفاجأة و شدة موقفها الشجاع و بسالتها و تضحيتها وقيامها بهذا الموقف رغماً أنه كان لها اخوة عديدين
، أكل هذا من اجلي ؟! اكتفت (كوردستان) بالتطلع نحوي وأنا واقف كالتمثال جامد لا أتحرك ولا أنطق ولا أتخذ قراراً سليماً، وطالت جلسة (كوردستان) أمام الغدير والهت نفسها برمي أحجار صغيرة في النهر ولكن حينما يئست من موقفي الصامت وعدم تحركي نحوها لكي أكلمها، قامت وتطلعت نحوي وملامح الغضب تتطاير من وجهها ولبست تلك العباءة ورجعت من نفس الطريق التي أتت منه وحينما مرت بقربي نظرت اليَّ ورمقتني بنظرات عتاب والحزن يتقطرمن نظراتها ، إنه القدر والحرمان والمفاجأة شلت قراري وحركاتي ،ولغاية هذه الساعة رغم مرور سنين عديدة استغرب كيف لم استغل تلك الفترة الزمنية التي كانت لوحدها على ضفاف الغدير لأتحدث اليها …؟
، اعترف إني لم أحسن التصرف ، وبعد محاولات عدة لرؤية (كوردستان )مرة أخرى لم يحالفني الحظ وكأن القدر قد حتم هذه النهاية بمشيئته، أعطتني فرصة واحدة فقط ….
لم استغلها، انبت نفسي كثيرا ومرت السنوات وتغيرت الأحوال وانقطعت أخبارها وفي النهاية علمت بزواجها من ابن خالتها وسافرت إلى إحدى الدول الأوربية حيث زوجها كان يعمل مع المنظمات الأجنبية الإنسانية ولكني كنت أتابع أخبارها حتى وهي بعيدة عني وعلمت بنبأ مرضها المهلك ثم وفاتها بعدها بفترة قصيرة …وحزنت حزنا عميقا لفراقها وترقبت وصول نعشها إلى مسقط ولادتها وحضرت مراسيم دفنها ودموعي تنزل بسخاء ولا زلت حزيناً وأنب نفسي يا ترى لو تكلمت معها بقرب الغدير ربما لتغيرت أشياء كثيرة ، ولا زلت أزور قبرها والأحداث تمر أمام عيني كأنها تحدث الآن ، أطلب من الرحمن أن يعجل رحيلي لعلي التقي بها هناك في جنات الخلد.؟؟؟؟
Discussion about this post