هل مستشفى كرى العام له أواصر وارتباطات بثورة 26 من سبتمبر؟!
وأنا أضع هذا السؤال بين يدي القراء، انتابني الخوف من ألاّ أجد إجابة منطقية وقريبة من الموضوعية، إذ إن المسافة الزمنية بين الحدث-26 من سبتمبر- وبين واقع مستشفى كرى العام، مسافة هائلة وكبيرة جداً، وأيُّ وجه للمقاربة يُعد ضرباً من المستحيل.
لكنّ من خلال المراجعة البسيطة للتأريخ القريب الّذي ابتدأ في السادس والعشرين من سبتمبر إلى اليوم، انزاحت من أمامي الضبابية واكتملت لدي الرؤية والمشهد، وتوصلت إلى إمكانية الإجابة وفق الأحداث الّتي شهدها اليمن الجمهوري.
طبعاً السر يكمن في مأرب، هذا المدينة المحاطة بالرمل من كلّ جانب، ذات الجبال الّتي اسودت بفعل تأجج وغليان البراكين في باطن الأرض، بحسب علماء الجيولوجيا، هذا المدينّة ستدخل التأريخ كأسطورة، وتُقدّم للأجيال كحصن طراودة، لجأ إليها الثوار متخذين منها قاعدة انطلاق لاستعادة الجمهورية، والعدالة الاجتماعية والمساواة، وحقوق الإنسان اليمني من بين أنياب نظام الكهنوت المُختزل في بيت آل حميد الدين.
انتصرت ثورة السادس والعشرون من سبتمبر وولى نظام الكهنة والإمامة، وبُشرت اليمن بعهد جديد، هذا العهد الجديد الذي يكاد يخلو من صوت الأئمة لم يكن ليحدث لولا بوادر وخيار مأرب في المقاومة والرفض.
هكذا وبهذه الصورة المختصرة كان لمأرب الدور الأكبر والأبرز في ثورة السادس والعشرين من سبتمبر.
بعد أن استتب الحكم للنظام الجمهوري القائم على أنقاض الإمامة، بدا الخواء والتأكل والصراعات البينية بين الصف الجمهوري الواحد، وطيلة العهود الجمهورية الثلاثة والصراع والحرب الباردة تفتق بالجمهورية، ناهيك عن مجابهة تصعيد حركة الكفاح المسلح في جنوب البلاد ووسط البلاد.
هذا المعطيات من الصراعات البينية، هي الّذي مهد للإماميين الجدد بأن يحلموا بالعودة مجدداً، وبالفعل بدا نشاطهم الخفي بالظهور للعلن من جديد، واستمروا على هذه الوتيرة المتسارعة إلى أن اسقطوا اليمن الشمالي في صيف عام2014م، وحاولوا الإنتشار إلى كل اليمن.
لكنْ مأرب تظهر مجدداً، تنهض كطائر العنقاء، تقف عند النقطة الفاصلة بين حياتين، الحياة الأولى ماتراهن عليه الإمامة الجديدة، والحياة الثانية مايريده اليمنيون، مايطلبوه من خيارات للعيش الكريم، أحراراً في أوطانهم، مستقلين لايمسهم الضيم، ولايخافون من الأغلال والقيود.
قُدّر لمأرب مالم يُقدر لسواها من المُدّن، وهبها الله امتياز خاص جعلها أيقونة نضال وسارية تضيء طريق الشعب نحو الخلاص، نحو التحرر والانعتاق، نحو المستقبل المأمول، ووطن لكل الناس دون أن تخرج فئة من الشواذ تُصنّف نفسها في الأعلى وترى الأخرون مجرد بيادق وكائنات هامشية لاتتجاوز الظل، ورأس حربة في لعبة غير مضمونة النتائج.
في كفاح شعبٍ ما ضد القوى المحتلة، تظهر المُدّن إلى الصفوف الأولى للمعركة، تقاتل بكل مافيها، رجالها، شبابها، مؤوسساتها بشكلٍ عام، والطبية على وجه الخصوص، من أجل ذلك يكون للمستشفيات الدور الأبرز في هذا الصراع.
وبهذا المعنى يكون مستشفى كرى العام هو الدرع الصلب لمحافظة الصمود والكفاح مأرب الّتي حملت البندقية مدافعة على حلم اليمنين وتأسيس الجهورية اليمنية الثانية، وأعلنت تحديها من وسط خط النار.
لقد عملت إدارة مستشفى كرى العام ممثلة بالمدير العام الدكتور لؤي محمد سليمان برفد قيام قيم النضال والثوابت الوطنية الشاملة، والأهداف الكبرى للسادس والعشرين من سبتمبر، وذلك باستنفار كلّ الجهود في خدمة الجرحى والتنسيق المستمر لتسهيل استقبال الأبطال من أفراد الجيش والمقاومة منذُ انطلاق شرارة التحرير واستعادة الوطن من بين أنياب الإماميين الجدد.
طيلة هذا الفترة الحرجة من تأريخ البلاد كان مستشفى كرى العام عند الرهان الوطني، لم يخيب ظن الوطن لحظة واحدة، وقف بثبات في تقديم أقصى مايستطيع عليه في المجال المتاح له، وبالدور المرسوم له بدقة متناهية.
Discussion about this post