في يومٍ قد ولَّى عهدهُ، تمكَّنت تلك المتمردة من تقويضِ تلك القضبان التي لطالما حاصرت أجنحتُها منذ زمن كَكَبْل وملجأ آمن لها في آنٍ واحد !
وعندما أصِفُها بملجأَهُا الآمن فأنا أعني ذلك حقاً !
لطالما نَزَّرت تلك القضبان مغادرة تلك المتمردة من ورائها خشية إرتطام سجيتها البسيطة بعالم لا تحكمه الإ لغة الحيوان وعُنصر المادة..
كان سلوانها داخل ذلك السجن، إسترسالها الدائم في النظر إلى السماء يمنةً ويساراً كما لو أن رُوحها على إتصال بشيءٍ ما هناك يبثُ فيها الدفء والسكينة والرغبة في الإستمرار وعدم التوقف لا لشدةٍ ولا لرخاء ..
كانت تنقشُ كلَ يومٍ جملة علي جداره بمثابة درس وتجربة وخفقة ، كانت تهرب في بعض الأوقات من ذلك السجن لتأول إليه راكضة تخطُ بيمينها صفعات أعقبتها خبرة ..
كانت كما الطير تعشقُ الحرية لم تتركُ سبيل لتحقيقها إلا وسلكتهُ ، ولكن علي رأس هذا القصد كانت تأبى الخروج من ذلك السجن بإفاضةٍ لما حدث لها خارجه، من أثمان دفعتها لمجرد عفويتها المفرطة، ومشاعر أتلفتها على من ظنَّتهم عالمُها الصغير الآمن ، وطاقات بذلتها للجميع دون تكلف او منةً أو تقصير، ولم تردُّ إلا بأبشعِ صور النكران الجحود والخذلان ..
رغم كل هذا لم تتوقفُ عن العطاءِ لحظة فقد جُبّلت على ذلك ، فكانت كلما همَّت بالخروج أضاء لها الطريق كفَّيها الممتلئان بالجبر والصفح والرحمة، كما لو أنهما سراجان يُذِيعان الإحسان في أبهى صوره مع أي كائنٍ كان ،إنسان، أو حيوان ،أوطير..
في يوم ما لمحت تلك المتمردة طيفاً خارج ذلك السجن أبت تجاهله، دفعها فضولها لملاحقته ،ربما حُباً في الإستأناس أو ظناً منها أنَّه هديةٌ قد تكون السماءُ منحتها لها لتُرشدها إلي غايةٍ ما..
وبدون تردد وبكلتا يداها المهترئتان أخذت تهدم جدران سجنها الذي إكتظ بخلاصة عقل قد بلغ من الرشاد ما بلغ، متلاشيةً إياه بما حوى ..
خرجت لتملئ كفيها بما كان ينقصها وترمم شروخ روحها ، ولكن يالا قسوة المنقلب ! ما كان ذلك الطيف الا عاصفة حملتها إلي أرض الخريف الدائم حيثُ تساقط فيها جُل أوراق عاطفتها وإحتل الصقيع لُب قلبها، وطاردتها الأسئلة اللامتناهية ..
وسط تلك المسغبة رقَّت السماء لتلك المتمردة، فقد إعتادت حديثُها المستمر وعيناها الموجهتان نحوها على الدوام، فإذا بالسماء تقهر أرض الخريف، وتشرع في شروق شمسها صوبها ،لتهدي تلك المتمردة إلى طريق العودة ..
هرعت المتمردة تركض عائدة بقناعة وحُب إلي مستقرَّها السَرْمدي، ذلك السجن الذي لطالما شاركها نِزاعاتُها وألآمُها وعصمها من طوفان الخارج وقسوتهُ ، فإذا بها تعود لتبنيه لبةً لبنة ، لا لأنهُ فُرِض عليها بل لأنها أحبته كما لو كما لو أنه جزءٌ من أنفاسها، إذ إنَّه صديقها الذي يواري سواءتها، والمناص الذي تهدأ فيه من فوضى العالم..
Discussion about this post