بقلم سلام السيد قراءة نقدية لقصيدة ما عادَ ينفعُ في الهوى التلميحُ
إني بحبكِ واضحٌ وصريحُ
وحروفُ شعري في هواكَ تبوحُ
عانيتُ ما عانيتِ من ألمِ الجَوَى
لا ضوءَ في نفقِ الضياعِ يلوحُ
بي مثل مابكِ يا صديقةُ من هوى
همٌ يؤرقُ في الفؤادِ لحوحُ
حتّامَ ندفنُ في الهوى أحلامَنا
ونظلُّ في طَلَلِ البُعادِ ننوحُ
نَتَقَبّلُ الخيباتِ دونَ تَمَلْمُلٍ
أفلا يداوي جُرحَهُ المجروحُ
هل نستمرُّ على الطريقِ مع الأسى
لا بُدَّ من بعد الضّبابِ وضوحُ
أيقنتُ أنّ الدربَ أولُ خُطوةٍ
من بعد تِيهٍ يبدأُ التصحيحُ
مازلت أسعى كي أنالَ سعادتي
ما خابَ في نيلِ المُرادِ طَمُوحُ
حتى نطيرَ إلى ذُرَى أحلامِنا
لم تُغنِ عن قِممِ الجبالِ سفوحُ
قد باتَ حبكِ في الخلايا من دَمِي
ولقد أقَرَّ بذلك التّشْرِيحُ
هو ثابتٌ مادامَ نبضيَ عامراً
لا لنْ يزولَ وفي الأضَالعِ روحُ
ما غابَ صوتُك عن حدودِ مَسَامعي
قد باتَ في صمتِ الخَوَاء يصيحُ
قَسَمَاتُ وجهِك في مرايا غرفتي
ورَشَاشُ عِطْرِك في المكانِ يفوحُ
ماذا أقولُ وقد مَلكتِ حُشَاشتي
ماذا عساهُ سيفعلُ المذبوحُ
هيا لنعلنْ ما تكتَّمَ للملا
ما عادَ ينفعُ في الهوى التلميحُ
عبدالناصر عليوي العبيدي
اللمسات والهيكلية الصورية والدرامية:
- اللمسات البيانية:
التشبيه والاستعارة:
في البيت “لا ضوءَ في نفقِ الضياعِ يلوحُ”، نجد استعارة واضحة تشبه الحالة النفسية لنفق مظلم، وهو تشبيه قوي يبرز مشاعر الضياع واليأس.
“قد باتَ حبكِ في الخلايا من دَمِي”، استعارة أخرى تجعل الحب جزءًا من الدم والخلايا، وكأن الحب قد أصبح جزءًا من الجسم، مما يضفي إحساسًا بالقرب الدائم والاستمرارية.
التجسيد:
في البيت “قد باتَ في صمتِ الخَوَاءِ يصيحُ”، يظهر تجسيد للخواء، وكأنه يمتلك صوتًا يصيح في الصمت، مما يضفي أبعادًا درامية للحزن الداخلي الذي يعانيه المتكلم.
التشخيص:
“أفلا يداوي جُرحَهُ المجروحُ”، في هذا البيت نجد تشخيصًا حيث يُنظر إلى الجرح وكأنه كائن حي يمكنه مداواة نفسه، وهذا يزيد من الإحساس بالمعاناة المتبادلة بين المحبين.
- الهيكلية الصورية:
البداية:
النص يبدأ بوضوح الحب وصراحته، مما يُعد تمهيدًا للتوترات الدرامية التي ستتبعها، حيث يتم الانتقال تدريجيًا من حالة الاعتراف إلى التوتر الناتج عن الصعوبات في الحب.
التصاعد الدرامي:
تتصاعد القصيدة مع تصوير الألم والخيبات المتبادلة بين الحبيبين، من خلال صور مثل “همٌ يؤرّقُ في الفؤادِ لحوحُ” و”نظلُّ في طَلَلِ البُعادِ ننوحُ”. هنا تتجلى قوة العاطفة والدراما في المشاعر.
الذروة:
البيت الذي يقول “مازلت أسعى كي أنالَ سعادتي” يمثل نقطة الذروة، حيث يبرز الطموح للوصول إلى السعادة بالرغم من الألم والخيبات.
النهاية:
القصيدة تختتم بالدعوة إلى التصريح بالمشاعر أمام الجميع، “ما عادَ ينفعُ في الهوى التلميحُ”، مما يُعد نهاية تصاعدية درامية تُعبر عن قرار جريء بالاعتراف بالحب.
- الدراما العاطفية:
الصراع الداخلي:
القصيدة تعبر عن صراع داخلي بين الألم والأمل، وبين مشاعر الحب والمعاناة. من خلال البيت “هل نستمرُّ على الطريقِ مع الأسى”، نرى أن الشاعر يعيش تناقضات عاطفية، حيث يتساءل عن إمكانية الاستمرار في ظل المعاناة.
القرار النهائي:
النهاية الدرامية تكشف عن تطور عاطفي كبير، حيث يتحول الصراع إلى قرار بالإفصاح عن الحب والمضي قدمًا. هذا التحول الدرامي يمثل قمة الصراع والتخلص من التردد.
الهيكلية البيانية والدرامية:
النص يتميز بتماسكه من حيث البناء البياني والدرامي. يبدأ النص باعتراف صريح بالحب، ثم ينتقل إلى تصوير المعاناة والمشاعر المعقدة، ويصل إلى الذروة بالتصريح بضرورة الاستمرار في الحب بالرغم من كل التحديات.
( فن التوظيف والتضمين وجوهره العام والخاص )
- التوظيف (العام والخاص):
أ. التوظيف العام:
الصور البلاغية والاستعارات:
الشاعر يستخدم التوظيف البلاغي للتعبير عن مشاعر الحب والمعاناة بطريقة تتجاوز اللغة المباشرة. على سبيل المثال، توظيف صورة “نفق الضياع” لا يعبر فقط عن ضياع الحب، بل يعكس أيضًا حالة التوهان التي يشعر بها الإنسان في حياته العاطفية. هذه الصورة تمثل توظيفًا عامًا لأزمة الإنسان في مواجهة الحب والفراق.
توظيف التضاد والتناقض:
في القصيدة، نرى توظيفًا لتناقضات مثل النور والظلام، والصمت والصراخ، والجرح والمجروح. هذه العناصر المتناقضة تضفي على النص بعدًا دراميًا يعكس صراع الشاعر الداخلي. مثلًا، التضاد بين “الخواء” و”الصياح” يبرز تأثير الحبيبة رغم غيابها، مما يعمق من معاناة الشاعر ويجعل النص أكثر غنى على مستوى المشاعر.
ب. التوظيف الخاص:
توظيف الحب كعنصر وجودي:
– الحب في القصيدة ليس مجرد عاطفة عابرة، بل يمثل جزءًا أساسيًا من وجود الشاعر. الشاعر يوظف فكرة الحب كشيء مرتبط بالخلايا والدم، وكأنه جزء من تركيبته الجسدية والنفسية. هذا التوظيف الخاص يجعل الحب عنصرًا ضروريًا للحياة، مما يضفي على القصيدة بُعدًا فلسفيًا يتجاوز الحب العاطفي التقليدي إلى حب أعمق، يكاد يكون وجوديًا.
توظيف الفراق كقوة خفية:
الفراق في هذه القصيدة ليس مجرد غياب مادي، بل هو قوة تؤثر على جميع جوانب حياة الشاعر. الشاعر يوظف الغياب ليجعل الحبيبة حاضرة في كل شيء من حوله، سواء في “مرايا الغرفة” أو “رائحة العطر”. هذا التوظيف الخاص يعبر عن استمرارية الحب رغم الفراق، مما يجعل الحبيبة حضورًا دائمًا في حياة الشاعر، حتى في غيابها الجسدي.
- التضمين (العام والخاص):
أ. التضمين العام:
المعاناة المشتركة:
في القصيدة، نرى تضمينًا لفكرة المعاناة المشتركة بين المتكلم والحبيبة. استخدام عبارات مثل “عانيتُ ما عانيتِ” يُضمّن فكرة أن الألم ليس مقتصرًا على الشاعر وحده، بل هو مشترك بينه وبين الحبيبة. هذا التضمين يعزز من الإحساس بالاتحاد بين الحبيبين في مواجهة الصعوبات والمشاعر العاطفية.
تضمين فلسفة الصبر والتحول:
هناك تضمين لفكرة أن الألم هو جزء من رحلة التحول نحو الأفضل. العبارة “من بعد تِيهٍ يبدأُ التصحيحُ” تضمّن فلسفة تشير إلى أن التيه والمعاناة هما خطوات ضرورية للوصول إلى الفهم والنضج. الشاعر هنا يُضمّن فكرة التحول والتعلم من التجربة العاطفية، مما يضفي على النص معنى أعمق يتجاوز الحب الشخصي إلى فكرة النمو الروحي والعاطفي.
ب. التضمين الخاص:
الرمزية الوطنية:
رغم أن القصيدة تركز على العلاقة العاطفية، هناك تضمين خاص قد يرتبط بالوطن أو الهموم العامة، خاصة في عبارات مثل “حتى نطيرَ إلى ذُرَى أحلامِنا”. يمكن أن يُفسر هذا على أنه رمزية لطموح أكبر يتجاوز العلاقة الشخصية، ليعبر عن حلم بالحرية أو السعادة المشتركة على مستوى أكبر. هذا التضمين الخاص يفتح الباب لتفسيرات أوسع تجعل القصيدة تتحدث عن قضايا أكثر شمولًا.
تضمين لحظة التحول في الحب:
في نهاية القصيدة، الشاعر يضمّن فكرة أن التلميح لم يعد كافيًا، وأنه حان وقت التصريح بالحب. هذا التحول يمثل تضمينًا خاصًا لفكرة أن العلاقة العاطفية يجب أن تكون واضحة وصريحة لكي تزدهر. هذا التضمين الخاص يعبر عن لحظة حاسمة في العلاقة، حيث ينتقل الحب من مجرد إحساس داخلي إلى شيء يحتاج إلى الإفصاح عنه بشكل علني.
3.جوهر التوظيف والتضمين (العام والخاص):
أ. الجوهر العام:
التوظيف والتضمين في القصيدة يعكسان فكرة الصراع الإنساني الدائم بين الحب والألم، النور والظلام، والتمني والواقع.** الحب يُصور كقوة طبيعية لا يمكن السيطرة عليها، مثل الدم الذي يجري في العروق، والمعاناة تُعتبر جزءًا من هذه الرحلة العاطفية. التوظيف العام يعبر عن تجارب إنسانية شاملة تتجاوز الفرد إلى المجتمع.
ب. الجوهر الخاص:
على المستوى الخاص، التوظيف والتضمين يعكسان علاقة الشاعر الشخصية بالحبيبة، وتجربته الفريدة مع الحب والمعاناة.** الحب في هذه القصيدة ليس مجرد علاقة عاطفية، بل هو تجربة تتعلق بوجود الشاعر نفسه. التضمين الخاص يلمّح إلى جوانب أعمق في العلاقة، مثل التأمل في دور الحب في تشكيل هويته الشخصية والنفسية.
فن التوظيف والتضمين في هذه القصيدة يعزز من عمقها ويضفي عليها أبعادًا متعددة، سواء على مستوى التجربة العاطفية الشخصية أو على مستوى التجربة الإنسانية العامة. الشاعر يستخدم هذه العناصر بشكل مبتكر ليخلق نصًا يتحدث إلى القارئ بطريقة تجعله يعيش معه تجربة الحب والمعاناة بشكل مشترك.
( المضامين الدراماتيكية )
1.الصراع بين الحب والمعاناة:
“عانيتُ ما عانيتِ من ألمِ الجَوَى”
- فقدان الأمل والتيه:
لا ضوءَ في نفقِ الضياعِ يلوحُ”
- الاستسلام للخيبات:
“نَتَقَبّلُ الخيباتِ دونَ تَمَلْمُلٍ”
- الأمل في التغيير والتحول:
“أيقنتُ أنّ الدربَ أولُ خُطوةٍ، من بعد تِيهٍ يبدأُ التصحيحُ”
- التصريح بالحب بعد التردد:
“ما عادَ ينفعُ في الهوى التلميحُ”
- العلاقة بين الجرح والمجروح:
“أفلا يداوي جُرحَهُ المجروحُ”.
- القوة الثابتة للحب:
“هو ثابتٌ مادامَ نبضيَ عامراً”
- الفراق الحاضر في الذكريات:
“قَسَمَاتُ وجهِك في مرايا غرفتي”
- ذروة التضحية في الحب:
“ماذا عساهُ سيفعلُ المذبوحُ”
- التحرر من التردد:
“هيا لنعلنْ ما تكتَّمَ للملا”
المضامين الدراماتيكية
تعبر عن رحلة عاطفية مليئة بالصراع والتوتر بين الحب والألم، اليأس والأمل، التردد والشجاعة. هذه المضامين تجعل النص مؤثرًا ومعبرًا عن تجارب إنسانية عميقة تجعل القارئ يعيش تجربة الشاعر بشكل مكثف.
(( التجنيس والدلالة ))
التجنيس:
التجنيس هو استخدام كلمتين أو أكثر تتشابه في البنية الصوتية أو الحروف، لكن تختلف في المعنى. في القصيدة، يمكن أن نلاحظ وجود تجنيس في عدة أماكن:
- “الجوى” و”الضياع”
– هذه الكلمات تشترك في بعض الحروف وتستخدم في سياق واحد لإظهار تشابه بين معانيهما. فالجوى يعبر عن ألم الحب العميق، والضياع يشير إلى التيه والافتقاد. هنا، التجنيس يساهم في تكثيف الألم الذي يعانيه الشاعر.
- “النور” و”الظلام”:
على الرغم من أنهما تضادان، إلا أن التجنيس الصوتي في وجودهما يبرز الفكرة بأن الحياة مزيج من النقيضين، ما يعمق الشعور بالصراع الداخلي الذي يمر به الشاعر.
3.”الجرح” و”المجروح”:
التجنيس في هذه الكلمات يبرز المعاناة المتبادلة بين الشاعر والحبيبة، ويعكس الترابط بينهما في الألم. الجرح والمجروح يتشاركان نفس الجذر، مما يعكس اتحاد الشعور بين الطرفين.
الدلالة:
الدلالة في القصيدة تعتمد على استخدام المفردات والصور الشعرية لخلق معانٍ عميقة متعددة الأبعاد:
1.دلالة الحب كجزء من الوجود:
الحب في القصيدة ليس مجرد علاقة بين اثنين، بل هو مرتبط بالروح والجسد. الشاعر يقول: “قد باتَ حبكِ في الخلايا من دمي”، وهو ما يدل على أن الحب أصبح جزءًا أساسيًا من تركيبته الجسدية والعاطفية، مما يضفي عليه دلالة وجودية.
2.دلالة الفراق والمعاناة:
الفراق هنا ليس مجرد غياب جسدي، بل هو قوة دائمة تلاحق الشاعر وتسيطر على مشاعره. “ما غابَ صوتُك عن حدودِ مَسَامعي” يدل على أن الحبيبة حاضرة رغم الغياب، مما يضفي بُعدًا مأساويًا على الفراق.
3.دلالة الانتقال من التلميح إلى التصريح
في نهاية القصيدة، يُعلن الشاعر: “ما عادَ ينفعُ في الهوى التلميحُ”. هذا التحول من التلميح إلى التصريح يحمل دلالة على النضج في العلاقة، وأن الحبيبين وصلا إلى مرحلة لا يمكن فيها الاستمرار باللعب بالرموز والإشارات، بل يتطلب الأمر وضوحًا وصراحة تامة.
- دلالة “التصحيح” و”الوضوح”:
استخدام الشاعر لكلمات مثل “التصحيح” و”الوضوح” يدل على أن الحب والعلاقة هما رحلة نحو النضج والنور، بعد فترة من الألم والتيه. هذا يعبر عن دلالة فلسفية تتعلق بفكرة أن الحب قد يكون وسيلة للارتقاء الشخصي.
الترابط بين التجنيس والدلالة:
التجنيس . في هذه القصيدة يساهم في تعزيز الدلالة. عندما يستخدم الشاعر كلمات متشابهة في البنية مثل “الجرح” و”المجروح”، فإنه يعكس وحدة المصير والمعاناة بين الحبيبين. هذا الترابط بين الأصوات والمعاني يضفي على القصيدة انسجامًا داخليًا ويعمق من تأثيرها العاطفي.
التجنيس أيضًا يستخدم لتكرار الأفكار بطريقة تزيد من وضوح الدلالة، مثل “الصمت” و”الصياح”؛ حيث يتم إبراز أن الصمت الذي يشعر به الشاعر مليء بالضجيج الداخلي، وكأن غياب الحبيبة ليس هدوءًا بل هو حالة من الصراخ المكبوت.
التجنيس في هذه القصيدة لا يقتصر فقط على تجميل النص، بل هو أداة تعبيرية تدعم الدلالات العميقة التي يريد الشاعر إيصالها. من خلاله، تتعزز معاني الحب، الفراق، الصراع الداخلي، والنضج العاطفي. التجنيس والدلالة يتفاعلان بشكل متكامل لجعل القصيدة أكثر تأثيرًا ووضوحًا في إيصال مشاعر الشاعر وأفكاره الفلسفية حول الحب.
القصيدة تعكس مشاعر عميقة وأصيلة، حيث تبرز التوتر بين الحب والمعاناة بطريقة تجعل القارئ يشعر بأنه جزء من هذه التجربة العاطفية.
،وتترك أثرًا عميقًا في القارئ الذي قد يجد نفسه في هذه المشاعر المختلطة.
دمت بكل النقاء والإبداع
سلام السيد
Discussion about this post