قراءة تحليليّة نقديّة لقصيدة ” المنصورة”
للشّاعر اليمنيّ “عبد الباسط الصّمدي”
*بقلم الباحثة: ” نور بوعزيز” – تونس
*تقديم : مفتاح الحاج _ قناة المنصورة.
” كم جميل أن يكون لك صديق شاعر مثل الشاعر المهندس عبد الباسط الصمدي _ أبو أميمة _ من اليمن
يتابع ماتنشر من صور واخبار بلدتك المنصورة الريفية فيتفاعل مع الصور ويحولها الى صور شعرية عذبة
وساحرة وحالمة .
وكم جميل أن تكون لها صديقة ناقدة وباحثة مثل الاستاذة نور بوعزيز _ أنثى فوق الرقابة _ تتفاعل مع مايكتب
عن بلدتك ملهمة الشعراء ….فتحلل النص بقراءة تحليلية نقدية ثرية .
بين سحر الأمكنة وأثر الأزمنة، بين شدّة الأفعال
ولين المشاعر يسافر الشّعراء إلى الموجود والمنشود.
ليرقبوا المدائن الّتي أسرت أفئدتهم، وأربكت بصائرهم.
ولأنّ الكتابة عن البلدان والأوطان موروث شعريّ دأب
على الغوص فيه القدماء انطلاقا من “رسالة الحنين
إلى الأوطان” للجاحظ مرورا ب” ابن الرّوميّ”
في أحداث الزّنج وغيرهم وصولا
إلى ” أحمد شوقي” و “الشّابّي” وشعراء المهجر والرّابطة القلميّة وقوفا عند شعراء العصر الحديث والمعاصر.
لتكون العلاقة بين الحاضر والماضي علاقة تفاعليّة تكامليّة.
لكن الحاضر ظلّ طفل الماضي، وبقي الشّاعر مشدودا
إلى تلك الرّقعة الجغرافيّة الّتي أطلق عليها اسم “وطن” [الكيان الثّقافيّ] يدركها بحواسّه. فيلمحها في أحلامه وأمنياته، ويفتتن ببهائها وألوانها في أشعاره. ولأنّ عنوان قصيدتنا ورد اسم علم معرّفا بالألف واللّام “المنصورة”.
ودلّ على موطن يوجد في عديد الدّول العربيّة من اليمن وتونس ومصر. فإنّ السّؤال الّذي يستوقفنا هنا هل الشّاعر لديه شغف بالتّاريخ والحضارة أم حنين إلى الزّمن الجميل وأمجاد الماضي لا سيّما وأنّ عنوان نصّه جاء اسم علم؟
إنّ في تصريح الشّاعر اليمنيّ “عبد الباسط الصّمدي” بأنّه شاعر منذ السّطر الأوّل من قصيدته، محدّدا اسم الفضاء المكانيّ الّذي ألهمه كتابة الشّعر قائلا: “أنَا شَاعِرٌ أَطْرَبَتْهُ المَنْصُورَةُ” دليل على كونه خبير بتفاصيل هذه القرية التّونسيّة الشّامخة فوق واد المنصورة الجميل؛ والمتواجدة بين مدينتين تونسيّتين عريقتين: مدينة تيسدروس [الجم حاليّا] الزّاخرة بالتّراث الرّوماني، ومدينة السّواسي
الّتي كانت تلقّب على امتداد العهد الرّومانيّ ب”باحة السّاحل” والمعروفة بموقعها الجغرافيّ المتميّز الّذي لعب دورا كبيرا
في مقاومة الاستعمار الفرنسيّ؛ إضافة إلى كونها تعدّ جسرا يربط شمال البلاد التّونسيّة بجنوبها. إذن فالأسلوب الخبريّ الّذي اعتمدته الذّات المتلفّظة منذ بداية القصيدة
حتّى نهايتها يوحي بأنّ القصيدة وحدة عضويّة متماسكة،
كما يحمل في طيّاته مدى انبهار الشّاعر بهذه القرية
الّتي تجد نفسها ملهمة الشّعراء على أرض الوطن وخارجه. وهذا ما يؤكّده السّطر الخامس الّذي اتّضح فيه أنّ كتابة الشّعر التصقت بقصر المنصورة ” أَنَا أَكْتُبُ الشِّعْرَ مِنْ قَصْرِ المَنْصُورَةِ”. وإذا ما أردنا مقارنة السّطر الأوّل والخامس؛
فإنّ صفة الشّاعريّة تنسب للشّاعر في كلا السّطرين،
بيد أنّ نقاط الاختلاف تتّجلّى في المراوحة أوّلا:
بين التّصريح “أَنَا شَاعِرٌ” والتّلميح ” أَنَا أَكْتُبُ الشِّعْرَ”.
ثانيا: في الانتقال من مكان عام ” المنصورة” إلى مكان خاصّ “قصر المنصورة”. أمّا ثالثا: فحاسّة السّمع هي الّتي مكّنت الشّاعر من أن يخفّ من السّرور “حَتَّى كَادَ قَلْبُهُ أَنْ يَطِيرَ
مِنَ الفَرَحِ”. في المقابل كانت حاسّة اللّمس وسيلة لتدوين الذّات المنشئة أشعارها في قصر المنصورة باعتباره المكان الأقرب للشّاعر بوصفه يمنيّ. ولعلّ هذا إشارة من الشّاعر
إلى القول بأنّ عشق المكان تدركه الحواسّ قبل الحدود، وتتغنّى به الحناجر في كلّ الفصول لأنّه إرث من الجدود. وتاريخ وحضارة يجب أن نتمسّك به دون لُبس أو قيود.
ولأنّ المنصورة مهوى الأفئدة، فلا بدّ من التّغنّي بها.
لذا اقتضى الأمر من الشّاعر أن يستدعي في قصيدته
” قصر المنصورة” الّذي يوجد في مدينة عدن اليمنيّة مؤكّدا التّفاعل المكانيّ بين المكانين رغم بعد المسافة بينهما.
وفي ” قصر المنصورة” قامت الذّات بتدوين تاريخ المكان ووصف سحر طبيعته في أشعار أمتعت كلّ القارّات والمحيطات والجزر. ولأدلّ على ذلك؛ ما جاء في هذين السّطرين الشّعريين:
” وَأَطْرَبَتْ كِتَابَاتُهُ القَارَّاتِ السِّتِّ”
وَجُزُرِ وَمُحِيطَاتِ الجَانِ”
الواضح والجليّ، كون بهاء المنصورة أثار نفس الشّاعر، ورغّبه في ممارسة فنّ الكتابة الّذي توشّح بعلوم البلاغة العربيّة من علم المعاني وعلم البيان وعلم البديع، بغية الوصل بينه وبين الآخر الّذي يقطن بقيّة المدن الأخرى
لأنّ كلّ نتاج إبداعيّ يستوجب حضور عناصر الخطاب الأربعة: المؤلّف [الشّاعر]، المتلقّي [القارئ]، الرّسالة [القصيدة]، وسيلة الإيصال [وسائل الإعلام: مواقع التّواصل الاجتماعيّ]. ممّا انجرّ عن ذلك استدعاء عنصرا طبيعيّا ” الياسمين”
اشتهرت به تونس في أصقاع العالم؛ وأدرجه المغنّون
في أغنياتهم. وكيف لنا أن ننسى أغنية الفنّان التّونسيّ الرّاحل “الهادي الجويني” “تحت الياسمينة في اللّيل”
الّتي ذاع صيتها عربيّا وعالميّا. غير أنّ الذّات الشّاعرة
تربك القارئ وتحفّزه على ربط الصّلة بين رمزيّة زهرة الياسمين ودمشق وشِعْرها. فعوضا أن يقول الشّاعر:” الياسمين من تونس” استنادا إلى عتبة القصيدة. قال: ” اليَاسَمِينُ مِنْ دِمَشْقَ تَعْبُقُ أَشْعَارِي”.
وإذا ما عقدنا الصّلة بين هذا الثّالوث “زهرة الياسمين، دمشق، أشعار عبد الباسط الصّمدي” فإنّنا نكتشف الخيط النّاظم بينهم. ألا وهو الشّهرة والانتشار. ففي حضور مفردة “ياسمين” دعوة إلى استدعاء كلّ البلدان العربيّة المشهورة بهذه الزّهرة. وفي توظيف كلمة “دمشق” إشارة إلى الموطن الأصلي الّذي يكثر فيه غراسة هذه الشّجرة المزهرة.
وفي استعمال لفظة ” أشعاري” تأكيد على أنّ الكتابة وطن ينتصر دائما لعناصر الحياة الورديّة، ولشذى
النّسائم الشّرقيّة وللياسمين وللمرأة العربيّة. ففي أشعار الشّاعر اليمنيّ
“عبد الباسط الصّمدي” تجتمع مكوّنات وأركان الوجود
في تحديد سمات المرأة الّتي اقتفى أثر خطاها أينما ذهبت.
لكن قبل أن نحدّد خصال هذه المرأة الّتي فُتن بحسنها الشّاعر وكتب فيها أشعارا يجب أن نتساءل عن هويّتها أوّلا. فمن تكون؟
يبدو السّطر السّابع ” لِامْرَأَةٍ رَمَقَتُ وَجْهَهَا” عقبة أمام
أيّ ناقد لفكّ شفرات هذه القصيدة. فهل هذه المرأة حقيقيّة أم أنّها استعارة لشيء آخر؟
لا أنكر مدى ارتباكي وأنا أبحث عن جواز سفر لهذه المرأة في ثنايا الأسطر الشّعريّة لعلّي أظفر بشيء من الحقيقة الماديّة. فقد استوقفني هذا السّطر مرارا وتكرارا كي أشدّ عضد القصيدة، وأتمكّن من حلّ هذا اللّغز العسير
الّذي جعلني في عَوْد على بَدْء. وبعد عمليّة استقصاء دقيقة،
والمراوحة بين الاستقراء والاستنباط. اكتشفت من خلال علم البيان بأنّ هذه المرأة استعارة للمنصورة.
وقد خصّص لها الشّاعر “قصر المنصورة” ليتغزّل بها.
حيث تبدو هذه المرأة امرأة فاتنة، إذ خطفت قلب العاشق وجعلته يشعر بلذّة العشق وهو يتتبّعها ببصره.
ولعلّ كثافة توظيف حقل الطّبيعة ” القارّات، جزر، محيطات الجان، الياسمين، الورد، أوراق الشّجر، رياح، اللّيل، البيرق، سحاب، واد، غابات، ربيع، الفصول، الشّروق” هو جزء
من هذا المكان السّاحر الّذي يتراءى لنا كعروس مزيّنة ليلة زفافها تفضّل الذّات المتلفّظة أن تتطلّع إليها قبل تفتّح الورد.
” قَبْلَ طُلُوعِ الوَرْدِ بِبِضْعِ يَوْمٍ
وَأَوْرَاقُ الشَّجَرِ خَضْرَاءُ زَاهِيَة
حِينَ بَدَتْ عَصَفَتْ رِيَاحُ الحُبِّ
كُلّهَا فِي صَدْرِي وَطَالَ المِشْوَارُ
تَمَامًا حِينَ بَدَتْ لِشَاغِلٍ لِلْباَلِ”
ما يمكن أن نستنتجه إثر هذا الشّاهد الشّعريّ أنّ الشّاعر “عبد الباسط اليمنيّ” يخلق أدوات جديدة للتّعبير عن مدى عشقه للمنصورة. حيث يرد المعنى الواحد بطرق متعدّدة وتراكيب متفاوتة لبيان الحقيقة بغية الوضوح.
وما جعل العشق يدبّ في دم الشّاعر هو ثورة الاتّصالات ومواقع التّواصل الاجتماعيّ الّتي قرّبت المسافات
وحوّلت البعيد قريبا. فها هي الحبيبة تشغل بال حبيبها
وتثير فيه جملة من الأسئلة لعلّ أبرزها: ما الّذي جعلني
أقع في حبّها؟ وكيف الوصال بها؟ وهل تبادلني نفس المشاعر الّتي أكنّها لها؟
اِنطلاقا من السّطر الثّالث عشر نظفر بالجواب، وبأسباب الوجد المتأجّج في فؤاد الشّاعر وهو يسرد لقرّائه حكاية هذا الحبّ السّرمديّ؛ وآثاره في خلجات نفسه المتعطّشة للفرح والبهجة. فتقول الذّات المنشئة مستدركة: “غَيْرَ لَوْنِ سَوَادِ اللَّيْلِ بِعَيْنَيْهَا”. فمن خلال هذا الشّاهد يتجلّى لنا أهمّ الأسباب الّتي أذابت قلب الشّاعر وأطاحت به في التّفكير
بهذه الحبيبة؛ هو جمال عينيها الّذي التصق بهما اللّون الأسود الّذي يرمز إلى الغموض والأناقة والجاذبيّة.
ومعلوم أنّ العيون قد استأثرت بأبهى ما جادت به قرائح الشّعراء في وصف الجمال الأنثويّ لما لها من أثر على خيال وبصيرة الشّاعر. ثمّ في الأسطر الشّعريّة الموالية تتواتر الأفعال في زمني الماضي والمضارع المرفوع
لتدلّ في كلّ زمن على حالة من حالات الشّاعر. فالأفعال الماضية ” بدأتُ، غرستُ، أمضيتُ، بدأتُ، طويتُ، لقيتُ” حقّقت الثّبات في موقف الشّاعر تجاه معشوقته
من خلال الإيقاع الصّوتيّ؛ وذلك بتكرار حرف التّاء.
وهو ما يجعلنا نستدعي في هذا السّياق هذه المقولة: ”
التّكرار هو إلحاح على جهة هامّة من العبارة يعنى بها الشّاعر أكثر من عنايته بسواها وهو بذلك ذو دلالة نفسيّة قيّمة تفيد النّاقد الأدبيّ الّذي يدرس النّصّ، ويحلّل نفسية كاتبه إذ يضع في أيدينا مفتاح الفكرة المتسلّطة على الشّاعر”. أمّا الأفعال المضارعة ” تسمعُ، أشعرُ، أرى، تثمرُ” فقد حدّدت معاني الاستمراريّة وأكّدت بهذه الحركة على توازن الشّاعر
في ظلّ هذا المشهد الرّومانسيّ، كما جسّدت مظاهر التّغيّر الّتي طرأت على نفسيّته بعد الوقوع في الحبّ.
وهذا نصّ القصيد:
” مِنْ أَجْلِ عَيْنَيْهَا بَدَ
أْتُ المِشْوَارَ
قَبْلَ الأَغْبَاسِ قَبْلَ مَا تُسْمَعُ
نَبَضَاتُ القَلْبِ طُبُولَ الحُبِّ
وَغَرَسْتُ حُبَّهَا وَكُلَّمَا مَرَّ مِنْ فَوْقِ
البَيْرَقِ مُولَ سَحاَبٍ مُنْخَفِضٍ
أَشْعُرُ بِمِسَاحَاتِ الفَرَحِ وَأَرَى
بِعُيُونِهَا الأَشْجَارَ بِكُلِّ وَادٍ تُثْمِرُ”
الملاحظ أنّ الحقول الدّلاليّة الّتي تزخر بها القصيدة عموما، وهذا المقطع الشّعريّ على وجه الخصوص قد ساهمت هي بدورها في إثراء المشهد؛ وكانت مرآة عاكسة لإبراز حالة الشّاعر النّفسيّة الإيجابيّة. ومن أبرز هذه الحقول نذكر حقل العاطفة ” نبضات القلب، طبول الحبّ، الفرح “.
هذا يعني، أنّ العاشق كان مستعدّا لكلّ التّحدّيات.
فهو قد بدأ مشواره وحيدا قبل زمن الفجر؛ ويتّضح ذلك
في عبارة ” وقت الأغباش”. إضافة إلى أنّ التّقديم والتّأخير الّذي اعتمدته الذّات المتلفّظة في السّطر الرّابع عشر بتقديمها المفعول لأجله “من أجل عينيها” على النّواة الإسناديّة ”
بدأتُ” فإنّ الغرض منه تحقيق جماليّة بلاغيّة تشدّ انتباه المتلقيّ؛ وتثبت دوره في عمليّة القراءة، والغوص في ثنايا النّصّ والاندماج فيه لإخراج خباياه. حتّى يتسنّى لنا القول بأنّ هذا القلب للنّظام اللّغويّ السّائد لترتيب المفردات
بشكل مرتكزا دلاليّا يجعل النّتاج الإبداعيّ فريدا ومميّزا.
وكعادة شعراء العصر الحديث والمعاصر، يستدعي الشّاعر اليمنيّ الزّمن الماضي عصر الكرامة والانتصارات
إلى جوار الحاضر الأليم ليعبّر عن أحاسيسه الفيّاضة
من أجل الاستمتاع بلحظات الحبّ والهيام مع معشوقته
في محاولة لمعانقة كلّ أعضائها وأشيائها:
” أَمْضَيْتُ بِغَابَاتِ عَيْنَيْهَا زَمَانًا
وَبَدَأْتُ الحُبَّ وَقْتَ الشُّرُوقِ
وَلَقَدْ طَوَيْتُ الأَمَاكِنَ
فِي كُلِّ الفُصُولِ وَمَا لَقِيتُ
مَكَانًا أَجْمَلَ مِنْ عَيْنَيْهَا”
لأنّ العيون سرّ من أسرار الجمال، ومرآة الرّوح
الّتي تجسّد مكنونات النّفس والقلب. فقد أولاها الشّاعر عناية فائقة؛ وكشف عن قوّة تأثيرها فيه. ويبدو العدول في عبارة ” بِغاباتِ عَيْنيْها” من السّمات الأسلوبيّة الأساسيّة في إنشاء البناء الأسلوبيّ لما يحقّقه من انفعال وتأثير بغية تحقيق أغراض فنيّة. فبعد أن التصق اللّون الأسود بعينيّ المعشوقة زمن الفجر. فإنّ “وقت الشّروق” تحوّلت العينان إلى اللّون الأخضر. ومن دلائل هذا اللّون التّغيير والتّفاؤل والنّظرة الإيجابية للحياة. هذا يعني أنّ التّشكيل اللّونيّ فتح أمام الذّات الشّاعرة رؤى انزاحت عن الجمال الحسّيّ إلى عوالم أخرى تتداخل في الألوان والأشياء لتعبّر عن حالة الشّاعر النّفسيّة المتغيّرة. إذ رغم سفره وترحاله، وبحثه وتنقيبه
فإنّه لم يجد وطنا أجمل ولا أروع من عينيْ حبيبته.
هي ببساطة حسب تعبيره “حُبٌّ وَجُنُونٌ”. وستظلّ مشرقة بعفّة العشق، ونقاء الكلمة وغرام القلب والرّوح.
وفي هذا الإطار يقول الشّاعر موظّفا الصّورة الشّعريّة
الّتي تعدّ من أساسيّات النّصّ الشّعريّ الحديث ومرتكزاته.
إذ عمد إلى خرق القوانين اللّغوية المألوفة ليشكّل تركيبا مفاجئا تغمره الأخيلة؛ وبذلك يجبر المتلقّي على المشاركة
في القراءة وفي عمليّة التّأويل حتّى يفهم المقصد
من خلال مقارنة الصّور والأفكار ببعضها:
“وَأَيُّ رَبِيعٍ لاَ يَبْدَأُ مُطِلاًّ
مِنْ عَيْنَيْهَا”
لا شكّ أنّ عبارة “ربيع.. من عيْنيْها” بيان طريف، ووسيلة مؤثّرة تأثيرا جماليّا داخليّا على قارئ النّصّ لاكتشاف المعاني الخفيّة. فهي تلميح إلى الانبعاث والتّجديد، إلى البهجة والعطاء، إلى الولادة الجديدة. فكلّما رمق الشّاعر عيني معشوقته يشعر بأنّه وُلد من جديد. فسحر العينين يجبر الأنا في ختام القصيدة تفضيل معانقة حبيبته المنصورة
الّتي شخّصها كامرأة فاتنة على جمع شذى ورد فصل الرّبيع، أو السّمر في لياليه، متوخّيا أسلوب النّفي في وصف موقفه، فقال:
” أَنَا لَا أُلَمْلِمُ عِطْرَ وَرْدِهِ
وَلاَ أَسْهَرُ مِنْهُ اللَّيْلَ”
في نهاية هذه القصيدة، نستطيع الإقرار بأنّ “شاعر اليمن” قد اتّخذ لذاته شكلا لغويّا منفردا لصياغة قصيدته
رغم مواطن إتّباع النّموذج الّتي تناثرت في جلّ ثنايا الأسطر الشّعريّة. فقد أثبت صنعته الشّعريّة مع ما يتطلّبه الحسّ الإيقاعيّ؛ فجاءت كلمات قصيدته في صورة تناغميّة تنسجم مع الرّويّ الّذي ورد متحرّكا. ليتجلّى لنا فضاء المنصورة المرأة الوطن في حبّها وسحرها وجنونها. والشّاعر طفلها المدلّل وحبيبها الّذي ألهمت قريحته فأطربنا شعرا.
ختاما؛ أرجو أن أكون قد وفّقتُ في استكناه جوهر
هذه القصيدة العربيّة الحديثة، وألممتُ بجلّ خصائصها الفنيّة واللّغويّة لأنّني مؤمنة بأنّ النّقد البنّاء سيظلّ رافعة للمنجز الأدبيّ.
وأخيرا أتوجّه بعبارات الاحترام والتّقدير للشّاعر اليمنيّ” عبد الباسط الصّمديّ” الّذي ما انفكّ يتغنّى بعدة قرى ومدن من تونس الخضراء ومدن وبلدان عربيّة موشّحا إيّاها بطابع العروبة والانتماء…….
Discussion about this post