بقلم …. لينا إسماعيل :
عندما يكون القلم مطواعًا لفكر نير، واسع الأفق، معشق بحب الوطن، لابد أن يكون لمداد هذا القلم خصوصية تستحق التوثيق والتقدير .
إنه الباحث والإعلامي هيثم جلول الذي رحل عن عالمنا قبل أربعة أعوام بهدوء يشبه ملامح شخصيته الموقرة،
نستعيد اليوم ملامح من مسيرته المهنية والإنسانية الزاخرة بالعطاء في ذكرى وفاته الرابعة، حيث وافته المنية في السابع من أيلول 2020 بعد صبر طويل ولا أقول صراعًا مع المرض.
هيثم جلول الذي عشق الصحافة منذ نعومة أظفاره فدرس أصولها في معهد الإعداد الإعلامي بدمشق عام 1980وتفوق فيها، إضافة إلى دراسته الأكاديمية، وهو عضو عامل في اتحاد الصحفيين السوريين ،ومن رواده، بدأ عمله في وزارة الأوقاف السورية منذ عام 1972خلال دراسته ، وتسلم فيما بعد إدارة دائرة الصحافة والنشر في الوزارة ، ومدير تحرير مجلة نهج الإسلام منذ عام 1986 وحتى عام 2018 .
وهو الحاصل على إجازة في التاريخ من الجامعة اللبنانية عام 1976وشهادة معهد الإعداد الإعلامي عام 1980 في دمشق، ودبلوم إعلام من يوغسلافيا .
شارك في عشرات المؤتمرات خلال ثلاثة عقود باسم وزارة الأوقاف في عدد من الدول العربية والإسلامية منها مؤتمر المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في القاهرة منذ عام 1987 ولغاية 1993، وكان خلال تلك الأعوام عضوًا في لجنة الصياغة باسم وزارة الأوقاف السورية، وكذلك مؤتمر تقريب المذاهب في كل من دمشق والجمهورية الإسلامية الإيرانية، ومؤتمر وزراء الأوقاف في المملكة العربية السعودية ، ومؤتمر الإسلام والسياسة السكانية في أندونيسيا عام 1991 وشارك في العديد من الدورات منها دورة التطوير الإعلامي في الكويت عام 2006 .
ومنذ توليه إدارة تحرير مجلة نهج الإسلام ، وهي مجلة إسلامية فكرية جامعة، صادرة عن وزارة الأوقاف، وعلى مدار ثلاثة عقود ، وهو الكاتب لافتتاحيتها في زاويته الثابتة ( من القلب ) بالإضافة إلى تغطية نشاطات وفعاليات وزارة الأوقاف.
قدم أكثر من 150 مقالاً و مواد بحثية علمية وتاريخية وثقافية نشرت له في عدد من المجلات والصحف المحلية والعربية،
وحاز على العديد من شهادات التكريم والتقدير عن مشاركاته الثقافية والبحثية والصحفية في سورية، و عدد من الدول العربية والإسلامية، نذكر منها مصر وإيران والكويت والسعودية وأندونيسيا. الجدير بالذكر أن العديد من الموسوعات والمؤسسات التعليمية العربية وثقت له تلك الأبحاث ، نذكر منها موسوعة البيبلوغرافيا العربية التي وثقت له 33 مؤلفًا على الشابكة الإلكترونية كمرجع فكري وثقافي مميز . منهم : ( الإرادة والسلوك الإنساني ، الفراغ وأثره في ضياع الشباب ، فن الإحساس وأهميته بمشاعر الآخرين ، الزمن الصعب والتضامن العربي المطلوب ، القدس عروبة وإسلام ، الدارس من أخبار المدارس الدمشقية ،
آداب اللياقة حق لنا في الأمم المتحدة ، وقفة صدق مع الأحداث) وغيرها من المواضيع الهامة .
كما وثق له محرك البحث لمكتبات ومؤسسات التعليم والبحث العلمي في اليمن عددًا كبيرًا من الأبحاث، إضافة إلى دار المنظومة (وهي أضخم قواعد معلومات علمية عربية على المستوى الدولي، موجهة للجامعات والهيئات العلمية ).
وكذلك الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون ، كلية الدعوة الإسلامية ، والمكتبة المركزية لجامعة المستقبل وغيرها من الأكاديميات العربية والإسلامية، وثقوا أبحاثه لتكون منهاجًا يدرس.
ومن أهم العناوين التي وثقت لهذا الباحث والإعلامي الوطني بامتياز، و يحق لنا أن نفتخر بها : ( مساجد دمشق : مابني منها في ظل الحركة التصحيحية أضعاف مابني منذ الاستقلال ، وقفة صدق مع الأحداث، في رحاب أسبوع العلم الذي عقد في دمشق ، فسيفساء الجامع الأموي الكبير .)
وفي احتفالية حلب عاصمة الثقافة الإسلامية كانت له مشاركات فاعلة، وتم تكريمه مع نخبة من ضيوف الاحتفالية من مختلف الدول المشاركة .
كما شارك لعدة سنوات في البعثة الإعلامية لأفواج الحج السورية.
لقد زار أغلب دول العالم، وفي كل مرة كان يجوب فيها أرجاء المعمورة من أمريكا لفرنسا لسويسرا للهند وماليزيا ومصر والمغرب وغيرها، يعود ليحط رحاله في ربوع الشام مسقط الرأس ومستقر الهوى ، فهو ابن (حي الشعلان الدمشقي العريق) ، ولا عجب أن متعته القصوى كانت في زيارة أسواق الميدان وباب سريجة و الحميدية وباب توما، أما كل مواقع العالم السياحية التي زارها فلم تترك في نفسه أثرًا بقدر نسمات الزبداني وبلودان وعين الفيجة العليلة ، لأنها بوصفه جمال يفتقد روح الوطن وتغيب عنه الذكريات . باختصار كان دمشقيًا، عربي سوري بامتياز، وثق بمداد قلمه ومن خلال كاميرا التصوير التي لم تكن تفارقه تفاصيل أغلب المواقع الأثرية والسياحية والتراثية في مختلف المحافظات السورية بعين العاشق لها، وترك لنا أبحاثًا ثرة عن أخلاق وسلوكيات وعادات المجتمع السوري والدمشقي بشكل خاص . إضافة لأبحاثه ومقالاته التي تناولت أغلب القضايا المعاصرة وخاصة خلال سنوات الحرب على سورية، وفي ذروتها وذلك رغم ماكابده وقتها من تهديد، وتهجير وحرق لمنزله وسلب لممتلكاته، نذكر منها ( حب الوطن وصدق الانتماء لترابه ) وكذلك ( العصبية المذمومة ومسؤولية أهل العلم ) (حب الوطن فرض والدفاع عنه شرف وغاية ) و ( الصبر على الشدائد والمصائب ) وبالفعل كان مثالاً يحتذى به بالصبر على المحن التي ألمت به وعائلته، و تقبل الفشل الكلوي الذي أصابه بعد ماكابده من تبعات الحرب على سورية بصبر واحتساب، كما كل السوريين الشرفاء، وظل مواظبًا على عمله في متابعة كل صغيرة وكبيرة من إعداد وإخراج وتدقيق وموافقة على النشر لأكثر من 150 عدد صادر من مجلة نهج الإسلام ليكمل رحلة عمله على مدار 35 عامًا من إدارة التحرير ، وكذلك الإشراف الكامل على موقع الوزارة الإلكتروني، حتى بعد بلوغه السن القانوني للتقاعد، ورغم تبعات الحرب التي نالت من استقراره وعائلته وأمانهم
وحصاد عملهم ، ورغم ضراوة المرض الذي نال من صحته من جراء تلك النكبات ، لكنه زاده إيمانًا وتمسكاً بالوطن، حيث رفض أن يغادره، مع أفواج المهاجرين في تلك المرحلة العصيبة من تاريخ الوطن، وكان يردد دائمًا ( اشتريت قبري في مقبرة الشيخ رسلان بباب مصلى ويشرفني أن أدفن بالشام )
أخيرًا كان أبا أمجد بالنسبة لنا (زوجته وأولاده) يشبه قاسيون الأشم بثباته وعنفوانه وإيمانه بانتصار الحق ،
لقد كابد ضرواة النزوح و المرض بهدوء وثبات، ورحل عنا بصمت، لكن بقيت مسيرته الفكرية والإعلامية والإنسانية ناصعة، متجددة، توثق إبداع رجل وطني حتى النخاع، لم تقهره النوائب ولم تبعده عن تراب الوطن .
Discussion about this post