فرق كبير بين من يريد تغيير نظام الحكم ومن يسعى لتغيير منظومة الحكم، تغيير النظام يكون إمّا بعملية انتخاب أو انقلاب أو انتفاضة أو ثورة أو بما اصطُلح عليه مؤخرا بالحَراك الشعبي، وهو عمل سطحي لا يزيد عن تغيير الغلاف مع الإبقاء على الجوهر كما هو.
أمّا تغيير منظومة الحكم فهو عمل من أعمال “الثقافة” وهنا لا نقصد الثقافة باصطلاحها الفني والأدبي وإنّما الثقافة كمنظومة حياة وطريقة تفاعل الأفراد -من أدناهم الى أعلاهم- وسط البيئة التي يعيشون فيها، تغيير المنظومة يقتضي تغيير جوهر الناس، تغيير ذهنياتهم، تغيير طرائق تفكيرهم، تغيير اهتماماتهم، وكتحصيل حاصل تغيير سلوكاتهم … إلخ
ولهذا فأنا لست مهتما بمن يدّعي في المجالس بالوطنية، ولست مهتما ممن يشكو من النظام الفاسد، ولست مهتما بمن تملّكته العاطفة الجَمعية فوزّع الموز على الناس في مسيرة، ولست مهتما بمن خرج في مسيرة وطنية يطلب حقّه من البترول، ولست مهتما بمن يهتف بأعلى صوته (كليتو لبلاد يا السراقين) ولست مهتما بكل من ليس جدّيّا في طلب التغيير، لست ممّن تتملّكهم العاطفة ولست ممن تهزّهم العاصفة، أنظر نظرة عقلانية متأنية الى ما يطلبه الناس ثم أقرر أأمضي معهم أم أمتنع.
ذهنياتنا وطريقة تفاعلاتنا لا تسمح بتغيير أي شيء في الوقت الحالي، نبحث عن النزاهة في الانتخابات ونحن لا نملك انتخابات، نبحث عن فرع لا أصل له، نشترط نوعية طلاء معينة لبيت لم يُشيّد بعد ! الانتخاب عندنا مازال عروشيا وعائليا وجهويا وقوميا ومناطقيا، نمارس الانتخاب بحيل كبيرة سواء من طرف المنتخَبين أو من طرف المنتخِبين، ثم نبحث عن النزاهة! وعن أي نزاهة نتحدّث ?!
إذا لم تتحقّق الديمقراطية في الأذهان فلن تتحقق في الميدان، الديمقراطية مآل تلقائي تصل اليه الشعوب عبر مرورها على محطات التضحية والمثاقفة، وهي تخضع للخلق المحلي لا للاستيراد من مكان آخر.
اما عن توعية الشعب وجعله واعي ومتحضر عبر تطبيق القانون ارى انه يسري القانون في البيئة التي هيّأتها الآداب العامّة ابتداءً،
والمجتمع الذي لم يضبط منظومته الأخلاقية لن تضبطه المنظومة القانونية ولو سنّ منها آلاف النصوص.
القانون هو النتيجة التي تهتدي اليها المجتمعات في مرحلة ما من النضج الانساني.
وأقصد بالآداب العامة الأخلاق التي يحملها الأفراد وما شاع في الجماعة من أعراف اجتماعية، أو لنقل الثقافة السائدة.
وفي مجتمعنا الذي تنعدم فيه العدالة الاجتماعية لا اعتقد ان القانون والرقابة والضبط الاجتماعي صالحين لكي ننتج مواطن واعي ومتحضر يمثل رصيد مدني للوطن.
Discussion about this post