يرى نفسه في مكان عجيب، ثمة أنوارٌ تسطع بألوان متباينة، تمتدُّ بغير هدًى، تتخذ هيئاتٍ مختلفة..
ثم بدأت تتقارب من بعضها البعض، تتجمع معًا في جزء محدد من المكان، وكأنها على موعد هناك، فيشتد سطوع الأنوار في هذا الجزء، اقترب منها، رآها تندمج معًا؛ تُشَكِّل جسدًا هلاميًا مُنيرًا، يَبرُز منه جناحان..
فجأة، داهمت دوَّامات مُظلمة المشهد، تخترق فضاءه من كل صوب، ما لبثت أن اندمجت هي الأخرى معًا؛ تُشكِّلُ وحشًا أدهمَ مُخيفًا، اتَّجَه من فوره نحو الجسد الهُلامي المنير وفغر فاه ليلتهمه، استغاث الجسد به لينقذه، وتجمد المشهد، واستيقظ من نومه مذعورًا..
يتكرر نفس الحلم معه منذ تسع ليالٍ.
لقد بدأ الأمر مع إطلاق موجة إشعاعية غامضة، اخترقت القلوب والعقول، وربما الأنفس ذاتها، شاعت بعدها الأقاويل، تُروِّج لتوصلهم بالفعل إلى فك شفرة الأنفس، كما أصبح باستطاعتهم وأد الأحلام في مهدها، تمهيدًا للسيطرة على البشر وأنماطِ حياتهم..
ثم صار هو وغيره كالآليين، انطفأ بريقُ الحياة في أعينِهم، يتكلمون ويتحركون برتابة دون همَّة، يَحَيون دون شغف..
ويرون كلَّ بضع ليالٍ حلمًا من أحلامهم يموت، يبتلعه الوحش هناك، في أرض الأحلام..
استمرت أحلام الجميع في الموت؛ حلمًا بعد حلم، حتى لم يبقَ منها سوى حلمه هو، حلمِ الجسد المنير ذي الجناحين، الذي يوشك على الموت هو الآخر.
يرى نفس الحلم في الليلة العاشرة، لقد أوشك الوحش على أن يؤدي مهمته، يصرخ عليه الجسد المنير لينقذه، وتجمد المشهد، لكن الأمر اختلف في هذه المرة، لقد التفت الجسد المُنير إليه، وضرب بالقوانين عرض الحائط..
يدرك أنه في اللحظة التي يتجمد فيها المشهد يجب عليه أن يغمض عينيه في التو واللحظة، وينتظر في جمود عودة الحياة إلى المشهد من جديد..
لكنه، وعلى الرغم من هذا كله، تحدى القوانين، وألقى نظرة خاطفة عليه، رآه خلف غشاء رقيق من نور باهت..
مستلقيًا على ظهره في ضعف فوق فراشه، شاحب الوجه، مغمض العينين، ثابتًا في مكانه، كأنه جزء من مشهد متجمد آخر، ثم تململ بغتة في فراشه، وخرج من جموده، فتح عينيه، ورآه هو الآخر، رأى حلمه خلف الغشاء الرقيق.
وانهارت كل القوانين؛ لقد اخترق الجسم الهلامي المنيرُ الغشاءَ الرقيقَ وتجسد أمامه، وتبعه الوحشُ فاغرًا فاه ليلتهمه، استنجد به من جديد..
يرى آخر أحلامه على وشك الموت أمام عينيه؛ استيقظ شيء بداخله، قام يبدد الظلمة من حول حلمه..
اعتدل في فراشه والدهشة تغطي وجهه، ثم قال:
– أنت!
– نعم أنا، آخر أحلامك.
– كيف؟!
– لا أدري، لكني لم أحتمل رؤية موت إرادتك والسيطرة على خيالك، وغلق طاقة الأمل بداخلك.
– إرادة! أنا مجرد إنسان ضعيف.
– تمتلك إرادة قوية لخلق الأحلام، فكلما قويت الإرادة صار الحلم أقوى.
– كثيرًا ما تخونني إرادتي فلا أستطيع تحديد الوجهة أو الهدف من الحلم.
– لو فعلت ذلك ما صارت أحلامًا، بل ستكون مجرد أفكار.
– وأنت! أنت تمتلك قدرات مذهلة، أنت الحلم، تفعل ما تشاء على أرضك، حتى إنك تذهب إلى أماكن بكر.
– إلا القدرة على الفهم والتفسير؛ فأنا أفتقد إلى المنطق والقياس وإلا ما كنت حلمًا أتجول بحرية هنا وهناك دون قيد.
– والسيطرة على خيالي؟!
– الخيال في العموم محدود بحدود منطق صاحبه وعقله، ونطاقه أوسع لدى الحالمين.
– وطاقة الأمل بداخلي كما ذكرت؟!
– هي النور الذي يضيء لنا الطريق.
– لماذا غامرت بعبور الحاجز؟
– تدين الأحلام بالفضل إلى الحالمين؛ هم من يبثون الحياة فيهم، أردت إنقاذك.
– وتقول بأنك تفتقد الإرادة!
– انعكاس عطائك أعطاني الإرادة للظهور.
– عطائي؟!
– نعم.
– أي حلم أنت؟
– الحلم الذي لم تحلمه لنفسك.
– لكنهم سلبوني إرادتي.
– بوسعك استردادها.
– نورك يبهت.
– أتلاشى خارج أرض الأحلام.
– كيف أنقذك.
– إنها إرادتك، خيالك، طاقة الأمل بداخلك، عطاؤك.
تمتم: جاءني حلمي يسعى لإنقاذي، خلق لنفسه الدافع الذي أعطاه الإرادة ليعبر الحاجز، لكنه وصل ضعيفًا، إنها طاقة الأمل بداخلي، عطائي..
نهض عن فراشه، احتضن حلمه، وطاقة العطاء بداخله تعطيه القدرة على الذهاب به إلى هناك، إلى عالم الأحلام؛ لينقذه.
Discussion about this post