قراءة في نص ( مجانين البحر )
للشاعر العراقي علي جابر (علي البنفسج)
الشاعر والناقد
محمود البقلوطي
تونس
“مجانين البحر”
لم أجد أجمل واحسن من قول الكاتب الأمريكي
اﺭﻧﺴﺖ ﻫﻴﻤﻨﻐﻮﺍﻱ:
“حين أمنحك الإهتمام ﻭأعطيك بسخاء فأنا لا أنتظر منك مقابلًا إنما كل ما أحتاجه هو ألّا أندم .. ألّا أندم فقط ”
كاستهلال وتصدير لقراءة قصيدة
“مجانين البحر” للشاعر العراقي المبدع على جابر
كان اطلاع الشاعر وبحثه ودراسته التي قدمها للرواية الرائعة والمشهورة “الشيخ والبحر” للكاتب الامريكي” ارنست همنغواي” وبطلها العجوز “سانتياغو” مصدرا لالهامه لكتابة قصيدته الرائعة “مجانين البحر”هذا ما استخلصته بعد قراءة القصيدة وملاحظة وجود كلمات مفاتيح بدءا بالعنوان مجانين البحر (البحر والنوارس، الشيخ وسنارة همنغواي…).
*نظرة عامة لما احتوت القصيدة من معنى وابعاد دلالية ورمرية.
وظف الشاعر البعد الرمزي في صراع الإنسان مع محيطه خلال رحلته في الحياة والتي أخذ فيها البحر كانموذج لهذه الرحلة التي وجب علي الإنسان أن يثق بقدراته القوية والكامنة فيه وأمكانه توضيفها في الصراع الدائر بينه وبين الطبيعة في مسيرة الحياة، ومدى ثباته أمام هذا الصراع الدائم المستمر الذي لا ينقطع ابدا. وتبقى المقاومة تسكن الإنسان يتسلح بها للتجاوز ومعالجة مصاعب الحباة. واعتبر ان كلمات القصيدة اخذت منحى يتوق للانتصار على مصاعب الحياة ومحاولة تجاوز ظروفها القاسية.
**عندما امتزج جنون الشعر بجنون البحر ولدت قصيدة “مجانين البحر”
نحاول ان نكتشف مجنانين بالبحر في معاني الكلمات ورمزية الدلالات.
بدا الشاعر مطلع قصيدته
“تعال نتجاذب أطراف الجنون ونشاطر البحر”
ياتري لمن وجه كلامه ودعاه ليتجاذب معه أطراف الجنون
هل الي المتلقي أو إلى كل مجنون من مجانين البحر..
نداء الشاعر يبقى مفتوحا لعدة اجتهادات وتأويلات.
ويتمادى الشاعر لتحديد دوره كطرف في الجنون مستعملا ضمير المتكلم انا ومبحرا في المجاز الشعري
” انا اخيط امواجه بسنارة همنغواي التي صنعها لبطله الشيخ
اخيط له جلبابا من الصوف يقيه برد الشتاء”
هل هناك كلمات أعمق في التعبير عن هذا التحدي للبحر والجنون العاشق للشيخ.؟
ليتمادي الشاعر َمقترحا على مرافقه في السفينة
“وأنت تصنع له ازرارا من رذاذ امواجه العملاقة”
ليتواصل البوح بين الأنا والانت
(انا امسح بينه بكفي
وانت تهمس له بكلمات الغزل)
ليرتفع منسوب الجنون فيقول
تعال ندير دفة السفينة اتجاهين متعاكسين.. انت نحو الشمال وانا نحو الجنوب ندير مقودها يمينا وشمالا
ونحتسي نخب رعونتنا”
تصرف يكشف قمة الجنون.
واذا بالشاعر يتوقف ويعلمنا ان الحكاية لم تكتمل
لنكمل حكاية مجانين البحر
ينظر إلى البعيد إلى النوارس الطائرة
” وهناك على بعد أميال نوارس البحر تخفقُ بأجنحتِها وتسبحُ في الفضاء ربما تنتظر عودتنا كي نشاركها حفل زفافها الجماعي وليس من مدعوين سوانا”
وفي الجزء الأخير من القصيدة وفي قفلتها ركز الشاعر على سخرية النوارس منهما وعلى وصفهما بالحماقة وهذا الموقف يمكن أن نتفهمه من النوارس لقد طارت بعيدة عنهما لانها احست بأن السفينة ليست للصيد لا يوجد فيها صيادون حتى تتحصل. على بعض الأسماك لتقتاتها وذكر الشاعر أيضا موقف البحر الغاضب والمنزعج منهما لأنهما تحدياه بتصرفهما الجنوني
حتى البحر كان مزعجا منا
كلما وقفنا ننظر اليه
يصفعُنا بصخب امواجه
وينهرنا غاضبا.. غادِرا..
لامكان للمَجانين هنا.
استعمل الشاعر اسلوبا مكثفا في التعبير عن مكنوناته الداخلية ومزجها بانزياحات ومجازات شعرية جميلة ولافتة.
“مَجانينُ البحرِ”
تعالَ نَتجاذَبُ أطرافَ الجُنونِ
ونُشاطِرُ البحرَ
أنا أخيطُ أمواجَهُ بِسنّارةِ همنغوايّ
الّتي صنعَها لبطلهِ الشّيخِ
أخيطُ لهُ جُلباباً مِنَ الصُّوفِ
يقيهِ بردَ الشِّتاءِ
وأنتَ تصنعُ لهُ أزرارَهُ
مِنْ رَذاذِ أمواجِهِ العِملاقةِ
أنا أمسحُ جبينَهُ بِكَفّي
وأنتَ تهمسُ لهُ بكلماتِ الغَزلِ
تعالَ نُديرُ دَفَّةَ السَّفينةِ
باتّجاهينِ مُتعاكِسين
أنتَ نحوَ الشِّمالِ
وأنا نحوَ الجُنوبِ
نُديرُ مِقودَها يَميناً وشِمالاً
ونَحتسي نخبَ رَعونتِنا
مِنْ مائِهِ..
لِنُكملَ حِكايةَ مَجانينِ البَحرِ
وهُناكَ على بُعدِ أميالٍ
نوارِسُ البَحرِ
تخفقُ بأجنِحَتِها
وتسبحُ في الفضاءِ
رُبَّما تَنتظرُ
عودتَنا كَيْ نُشارِكَها
حفلَ زَفافِها الجَماعيّ
وليسَ مِنْ مَدعوِّينَ سِوانا
يا تُرى كيفَ سنُراقصُها؟
هل رأتْنا ونحنُ نَخيطُ
للبَحرِ مِعطفَهُ؟
وحِينَ وَصلْنا السَّاحلَ
هرعَتِ النّوارسُ
تلطمُ بأجنحتِها
ساخرةً مِنّا
ودّعَتْ كُلَّ مَنْ كانَ هُناكَ
لِتُخبرَهُ حماقتَنا
حتّى البَحرُ كانَ مُنزعِجاً مِنّا
كُلَّما وقَفْنا ننظرُ إليهِ
يصفعُنا يصخبُ بأمواجِهِ
وينهرُنا غاضِباً.. غادِرا..
لا مكانَ للمَجانين هُنا
علي البنفسج
بغداد
دام سنا يراعكم الأنيق ك هسيس الشمس بين حقول الحرف فتتفتح اسارير الضوء لتنير الكلمات وتكشف
عمق المعنى والدلالات. ودمتم ببهاء الحرف والق الإبداع الراقي شاعرنا الأديب الاريب الأستاذ علي جابر .
Discussion about this post