بقلم الكاتب عبدالله النصر
السعودية
– لِمَ كل هذا الإصرار، يامؤمن؟!!
– قلتُ لكَ، يا أحمد، لا أراني فقط إلا في العمل الميداني.
مط أحمد شفتيه، فَرَّغ شُحنة دهشته، ثم سلمه قائمة أرقام هواتف المحتاجين وبيان ما حُدِّد لهم من لوازم.
أيقظه منبه جواله، قبل صلاة الفجر، لم يكد ينهض، حتى تأففتْ، وسحبتْ ذراعه العاري، وسدته خدها، جعلته يرتشفُ ما بقي من دفءٍ فيه، وقبضتْ بكلتا يديها على كفه، قبلتْ باطنه، شمته، وشبكتْ أناملها بأنامله، بل اندستْ بكاملها كقطةٍ وديعةٍ في مجمل جسده، وأرادتْ ألا تفيق من غفلتها، وأن تؤلفَ أكثر بين قلبها المثخن وقلبه الشارد، همستْ له:
– رائحة الزلال، نفاثة، شقاوتها تغريني….. حبيبي، ماذا لو كنتَ..زو..
كمَّ فمها سريعاً:
– لا تكملي، صفاء.
شعرتْ بانزعاجه المعتاد، شعرتْ بأنه سينسحب عنها، فشدته إليها أكثر، ثم أردفتْ:
– متأسفة، أتعبتكَ لكثرة الحديث في هذا، لكن هل أنا مختلفة عن نساءِ هذا العالم؟..
سَلَّ ذراعه، وجسده:
– بل أنتِ الأفضل.
قالها، وخطافياً لمَّ قطع ملابسه المتناثرة في غرفتها، فأردف:
– من يَقدر على قول بأننا لسنا زوجين؟.
بادرته، بينا تفرغ حممها:
– لن يكتشفوا، إلا بعد أن تدور حولي الدوائر، ويكون قلبي قد اهترأ وتمزق، حتى أبنائي وأبنائك لن يرحبوا بعابر سبيل مؤقت، وعليَّ وحدي تحمل مجمل التبِعات.
(كلانا نتحمل، حبيبتي)، أجابَ بحروفٍ ثلجية. وأرتدى أثوابه، ألتثم غترته، وأشار إلى الباب، خمَّدَتْ نيرانها كالمعتاد، غطتْ عُرِيِّها، وبمضض وهدوء بالغ رفعت قطعة القماش من تحت الباب، وأدارت قفله ومزلاجه بتؤدة، ثم ألقت نظرة دقيقة في ردهات بيتها، تحسباً من أن يكون أحد أطفالها قد استيقظ.
أطمأنت.. فعانقته طويلاً، نفثت حمم نيرانها أعلى كتفه، نقلت خدها إلى صدره، التحمت به، لم ترد الفكاك منه، وهو مسدل الذراعين، همست له:
– حتى أننا لا نجلس ونتحدث!.
فك ذراعيها، لثم شفتيها ببرود:
– نتحدث عبر الهاتف.. من الصعب هنا، يا قلبي، أستأذنك، الوقتُ تأخر كثيراً..
أخلت سبيله، ونواتها تتقد، أنْقَلَبَ للشارع مجنحاً، ريثما فعلتْ وباب الخروج ما فعلته وباب غرفتها، واطمأنتْ منه كما أطمأنتْ من أيتامها الغارقين في أحلامهم المُهملة المهدهدة بتبرعاتٍ عينيةٍ بسيطة.
قبيل المساء، أدار حبيباب مسبحته، أسدل غترته، مشط لحيته الكثة، واستعرض بيان الأسماء واللوازم الذي تسلمه من أحمد..
– ألو (صالحه).. حبيبتي، الآن سأزودك بالمعونة الخاصة بأبنائك، وأشكري الله، فقد بذلتُ مجهوداً عظيماً كيلا تُقطع عنهم.. ولا تنسي موعدنا الواحدة ليلاً.. دعي شوقك العارمَ المعهود ينتظرني.. ها؟!.
Discussion about this post