كالعادة وبعد أن الانتهاء من صلاة الجمعة، حيث يسارع الجميع للتزاحم في السوق على باعة اللحوم والخضار والحلوى .
ترتفع كالعادة أصوات بائعي الخضار، الأشبه بالنباح وهم يتنافسون بالمناقصة والمضاربة على بعضهم،وأحيانا يدب عراك بينهم.
يظهر عبدالله من بين الناس في ثيابه الرثة البسيطة ليمر بأحدى محال الخضار وهو يضع يده في جيب ثوبه قابض على الدراهم القليلة كي لاتضيع منه ،وتكون النتيجة أن ينام أولاده هذا اليوم ومعدتهم خاوية.
وأما يده الثانية فكان ممسك بها بعصاه مستعين بها على آلام الظهر.
وقف أمام بسطة للطماطم العفنة موضوعة خارج المحل إلى جانب البسطات الرخيصة يعلوها البعوض والذباب وتفوح منها رائحة النتانة .
سأل عبدالله البائع :
-بكم كيلو الطماطم ؟
أجاب أجير البائع المنادي بحماس وبسرعة :
-بنصف دينار .
أن في جيبه دينار واحد قد إدخره لغداء يوم الجمعة ؛إذا هو يستطيع شراء كيلوان من تلك الطماطم؛ الارخص ثمنا هنا حتى لو كان السعر مرتفع بالنسبة له.
أمسك بكيس وبدأ في إنتقاء الحبات المقبولة نوعا ما ،بينما كان رجل ملتحي يرتدي الثوب الأبيض الطويل والكوفية،كان يراقبه منذ أن دخل إلى السوق .
بينما كان عبدالله يعاني وهو ينتقي الحبات المناسبة بين العفن،عصرت يده حبة معفنة ليطير عصيرها ويدخل في عينه ،شعر عبدالله بالانزعاج ،مسح عينه بطرف كوفيته، ثم تابع إنتقاء حبات الطماطم .
تقدم منه الرجل متظاهرا أمام الناس بأنه يعرفه ،وقال وهو يمد يده مصافحا :
-السلام عليك أخي؟
رد عبدالله:
-وعليكم السلام أخي ؟
احتضنه الرجل وقبله وشعر عبدالله بأن نقود ورقية قد إنتقلت من يد الرجل ليده، فقال له:
-من أنت ياأخي كي أدعو لك؟
لكن الرجل لم يجيب ، ربت على ظهره وإستدار ماشيا حتى اختفى بين جموع الناس .
أعاد عبدالله ماجمعه إلى البسطة وفتح يده ليعد النقود فكانت مائتي دينار ،بكى من شدة الفرح ،فتسوق هذه المرة لأولاده الفاكهة والحلوى واللحم والدجاج والأرز وعاد إلى منزله وهو يحمل على ظهره الشوال المتخم بما لذ وطاب.
عندما رأته زوجته وبينما أولاده يتراكضون حوله بفرح ،حيث أنهم لن يأكلوا الطماطم العفنة مثل كل يوم جمعة،
سألته زوجته بريبة “وهي واثقة من أمانته ” خوفا من أن يكون قد شعر بالقنوط من رحمة الله وأن تكن يده قد إمتدت إلى الحرام هذه المرة :
Discussion about this post