لا وَقْتَ لي
حتَّى أُرتِّبَ دَمْعَةً
راقَتْ لخاتِمةِ الرِّثاءْ
فالحُزْنُ يأتي أوَّلاً
ويُلَقِّنُ العيْنينِ فاتحةَ البُكاءْ
هذا كلامُ الوَحْيِ عن طَمْيِ القُرَى
فتأمَّلي..
ما قالتِ الأمطارُ عن كُتُبِ السَّماءْ
لا بأْسَ إن أخفيتُ حُزْنَ النِّيلِ عن نايٍ
يُجاهِرُ بالظَّمأْ
لا بأْسَ إن خبَّأْتُ وجهَكِ
في مرايا الخائفينَ مِنَ الجفافْ
هرَّبتُ خُبْزَكِ من فمِي
ليردَّ جوعَ الناسِ في السَّبْعِ العِجافْ
إن هدَّني ليلُ الوِشايةِ
وارْتَمَيْتُ على صِفَاتي في التُّرابْ
سأكونُ جارَ النيلِ في أرضِ المروءَةِ، والقَصَبْ
فالأرضُ قد تسعَى لقلبي
حينَ ينجو هاربًا من تحتِ أنقاضِ الضُّلوعِ
ورُبَّما
تخْضَرُّ بَسْمَلَةُ السَّواقي
بعدَ أشواطِ الطَّوافْ
قالتْ، وريقُ الأرضِ يَعْصُرُهُ الكفافْ:
غامتْ عيونُ النيلِ، واشْتدَّ العطشْ
صفْصافةُ البيتِ الوحيدةُ أُطْفِئتْ
عادتْ طيورُ المُنْشِدينَ بجوعِها
وأنا سُدىً
حرَّرتُ ماءَ الوجهِ من أثَرِ البكاءِ
عجَنْتُ خُبزَ مشيئتي بالذكرياتِ
جعلْتُها أَرضاً تُقدِّسُ طمْيَها
أرْضاً تُعيدُ إلى رمادِ الموتِ ترْتيلَ الحياةِ
فهل تُباركُ عاشِقَيْنِ
تقاسما خُبْزَ الخُلودِ على خريطةِ مقبرَةْ؟
هل ينبُتُ الرَّيْحانُ في طِينِ البلادِ المُقْفِرَةْ؟
قُلْتُ: افتحي بابَ البصِيرةِ، واقْرَئي
قُولي لمن سلَكُوا الطَّريقَ تَمَهَّلُوا
وَسَيَجْبُرُ النيلُ انكساراتِ القُرَى
وتَفِرُّ أحزانُ الطَّبيعةِ من تجاعيدِ الشَّجَرْ
قُولي لهُمْ:
لا تصْفَعُوا وجهَ الحقيقةِ بالخيالْ
فالنِّيلُ أوَّلُ آيةٍ
نَزَلَتْ على جَدْبِ القُرَى
ليكونَ حَجُّ الماءِ قافلةَ الجنوبِ إلى الشَّمالْ
قُولي لهُمْ:
لا ذنبَ لي في طَعْنَةٍ رُزِقَتْ بكفٍّ جائِرَةْ
فأنا أخونُكِ خائِفاً
لأجُرَّ أسبابَ الخطيئةِ للعدَمْ
لكنَّهُمْ قد خيَّروني مُرْغماً
بين الرُّجوعِ، أو التبرُّكِ بالصَّنَمْ
لا تُغْلقي بابَ البصيرةِ، واقْرَئي
فأنا وأنتِ
على مسلَّاتِ الأوائلِ نَحْتَمي
بِقَداسةِ الزَّمَنِ المُخَبَّأِ في النُّقُوشِ
أنا وأنتِ
سُلالةَ الأحْياءِ في سِيَرِ الجنائزِ والنُّعُوشِ
أنا
وأنتِ
على كِتاباتِ المَعابدِ سَجْدَةٌ
والنِّيلُ وَحْيٌ لم يَنَمْ
النِّيلُ خَلَّقَ من جَنينِ الماءِ
حِكْمَةَ أهْلِنَا
وتعَلَّمَ الفَيَضَانَ من لُغةِ المَطَرْ
النِّيلُ
كَفُّ اللهِ تُطْفئُ جَمْرَةً
وتصونُ عِرْضَ الأرضِ
من ذِئْبِ العَطَشْ.
كلمات الشاعر
السيد الجزايرلي
Discussion about this post