/ أنا لا أنثرُ الشّعرَ.
أنا أقطفُهُ.
أتخيّلُهُ ناضجاً على أغصانِ الخيالِ كـ (حبّةٍ ضخمةٍ من ثمارِ الدّراق)
تطاولتُ كثيراً حتّى بلَغتُه
لا أغسلُهُ ..
كي لا تبهَتَ الفكرةُ
أمسحُهُ فقط عدّةَ مرّاتٍ بكُمِّي
أتعمَّدُ الإغماضَ حين أقضمُهُ ليجوبَني مذاقُهُ و أتلذّذُ بالعبرة ِ
و قبل أن ألقي النواةَ على قارعةِ الشّوقِ …
أمسحُ عن طرفِ شفاهي
عسلَ القصيدةِ .
/ أنا لا أنثرُ الشِّعرَ .
أنا أُروضُّهُ .
أتصوّره (فرساً أصيلةً خرجَتْ لتوّها من كتبِ الحكايات)
أقابلُ جموحَهُ بهدوئِي
أغسلُ جسدَهُ جيداً حتّى يبلّلني المغزى
أربتُ على عنقه
أُقبّلُهُ..
أُوشوشُهُ بكلماتٍ محبّبةٍ ليألفَ بُحَّتي
أدسُّ في فمِهِ قطعةَ سكّر
أمتطيه بلا سرجٍ
بشجاعةٍ فقط
أعدو . .
أعدو . . .
أعدو . . . .
و لا أعودُ حتّى أبلغَ
غايةَ القصيدةِ
/ أنا لا أنثرُ الشّعرَ
أنا أُنصتُ له
أتخيّلُه (عزفاً لسمفونيةٍ مشهورةٍ)
تتلاعبُ نوتتُهُ بخيالي فتخرجُ فكرةٌ محلّقةٌ
فكرةٌ تلو أخرى
أُخرى
و أُخرى
حتّى أصيرَ كهالةٍ مُلّحنةٍ في ملكوتٍ مغمضِ الإيقاعِ
أعلو
أعلو
أعلو
و لا أرجعُ لكياني
حتى يسكبَ الجنونُ في أذني
صدىً لقصيدة.
/ أنا لا أنثرُ الشّعرَ
أنا أطهوهُ
أتصوّره ( لحماً نيئاً)
أقطعُهُ بأسناني
لا بسكينِ الأبجدية
أنقعُهُ بماءِ العينِ و ملحِها
ثم أقلبُهُ في قلبي الفخاري
لا ضيرَ حينها من إضافةِ رشّةٍ
من بهاراتِ الاستعاراتِ
بعضِ الكناياتِ الطّازجةِ
و نَفَسي
أتركُ مكوّناتِهِ تتجانسُ على نارِ الشّكوى الهادئة
أُسبِّكهُ
أُسبِّكهُ
أُسبِّكهُ
و لا أسكُبُهُ حتّى تنضجَ
حوافُ القصيدةِ.
/ أنا لا أنثرُ الشّعرَ
أنا أتعاطاهُ كعادةٍ سيّئةٍ
أتخيّله (كأساً معتّقة من عصيرِ العنب)
أرتشفُهُ بشغفٍ.. بمتعةٍ.. و لذّةٍ
كلُّ رشفةٍ تزيدُ من رغبتي بالّتي تليها
أرشفُ
أرشفُ
أرشفُ حتّى تفتحَ لي بواباتُ الخيالِ ذراعيها
فأراقصُها
و أراقصُها على سطورِ الانتشاء
و لا أصحو من ثُمالتي
حتى أهذي
بمفاتن القصيدة.
/ أنا لا أنثرُ الشّعرَ
أنا أغزلُهُ
أتصوّره ( لفائفَ صوفٍ فاخر)
أتفنّنُ في حياكتِهِ و نسجِهِ
أُبرزُ مفاتنَهُ
أتقنُ تزيينَها
و ببضعِ غرزٍ حبريّةٍ إضافيّةٍ
هنا و هناك أخفي عيوبَهُ
أنسجُ الفكرةَ
تلو الفكرة
تلو الفكرة
أنسجُ
أنسجُ
أنسجُ
و لا أنتهي
حتّى أُدفّىءَ
أكتافَ القصيدة.
أنا لا أنثرُ الشّعرَ
أنا ألدُهُ.
أتخيّلهُ (جنيناً في رحمِ مخيّلتي).
جنيناً لا حبرَ له ولا سطوة
أعشقهُ قبلَ أن أراه
يتقافزُ على حبلِ أفكاري السّريِّ
فأبتسمُ لمشاغباتِهِ..
أربتُ على رأسي كأنّني أتحسّسُه
أحملُ /أفكارَهُ.. انزياحاتِهِ .. تطرفَهُ.. جنونَهُ.. خصوصيتَهُ.. تميّزَه/
وَهناً على وهنٍ بلا شكوى أو عتبٍ مهما تضخّمَ خيالُهُ و شاعريّتُهُ
أتحمّلُ مزاجيّتَهُ
أقرأُ ما تتشهّاهُ فكرتُهُ
كي لا تأتي (كلمةٌ خاطئةٌ)
كوحمةٍ كريهةٍ في وجهِ القصيدة
فإنْ جاءَني مخاضُهُ بغتةً كعادتِهِ
التمسْتُ ركناً أدبيّاً قصيّاً
بما أحملُ من بشرى
أهزُّ إليّ جذوعَ المجازِ
لتتساقطَ علينا أبجديّةٌ بهيّةٌ
أكتمُ أنيني مهما تعسّرَتْ كتابَتُهُ
و لا أطلبُ الخلاصَ حتّى أضعَها سطوراً فائقةَ الحلاوة
أنا الآنَ لديّ ذريّةٌ من قصائدَ بصحةٍ جيّدة.
/ أنا لا أقرضُ الشّعرَ
أنا أنثرُهُ
أتصوّره (رماداً لساتي هنديّةٍ صالحةٍ)
حفنةَ هباءٍ نجَتْ من محرقةِ القبيلة
أعطّرُ أصابِعي بالزّعفرانِ
ثمَّ..
أمسكُهُ بهيبةِ عرافةٍ حاذقةٍ
أعلو به قممَ الدهشة
وحسبَ اتجاهِ رياحِ الجمالِ
أذروهُ
أذروهُ
حفنةً تلو أخرى
و أخرى
و لا أنتهي من نثرِهِ
حتّى تطمئنَّ
روحُ القصيدة.
—————–
(السّاتي: الزّوجةُ الصالحةُ في قبيلةٍ هنديّةٍ تحرقُ نفسَها مع جثمانِ زوجِها وفاءً لعشرتِها معهُ)
العائشة.
عائشة بريكات
Discussion about this post