في مثل هذا اليوم قبل 25 عاماً، وذات ليلة ماطرة حالكة السواد، تبعث الخوف والرعب؛ جئت إلى هذا العالم المضطرب والمجنون والرحب والسعيد. ولدت في القرية القصيّة- ريف حجة البعيد-، وتهجيت أبجديات الحياة على التراب والحقول والصباحات المفعمة بالحيوية، وعشت سنواتي السبع الأولى هناك؛ طفل حالم يختصر الكون فيما يرأه، في حكايات جدته وأغنامها وبيتهم الطيني القديم، وحوشهم وبيوتات القرية الوادعة. طفل يطارد الفراشات والنسمات في الحقول طيلة الصباحات التشرينية والأماسي الربيعية الّتي يذهب إليها برفقة جده.
هناك غنيت وشدوت، فرحت وأسيت، ضحكت وبكيت، سعدت وشقيت. وهناك نظرت من نافذة يتيمة إلى عالم ليس لي.
كيف جئت إلى هذا الكوكب الساهم في فضاء الله الكبير؟
كيف اجتزت محطاتي في الحياة، محطة تتلو محطة حتّى وصلت إلى لحظتي الراهنة؟
في عمر الرابعة والعاشرة وإلى الخامسة عشر كنت أقول: لما أكبر واتّجاوز الخامسة والعشرين سأكون قد حققت إنّجازات كثيرة، مبهرة ومدهشة، سأكون قد تزوجت تلك الفتاة الّتي تحلم بتسلق جبال الهملايا حتّى تصل أعلى قمة إيفرست، سأكون قد شاركت في سباق المأرثون، وعرفت سر قوة شخصية النبي محمد الّتي غيّرت قناعات قريش المتجذرة في سنوات قليلة.
اليوم عيد ميلادي ال 26 وأنا لا أبارح مكاني. مازلت أحمل في جعبتي أحلام الرابعة والعاشرة والخامسة عشر وإن كان بشكلٍ أقل توهج، وأقل اندفاع.
هل كنت حالم أكثر من اللازم؟!
لم أحتفي بالطبع ولم أوقد شمعة. العمر يعدّي بهذه الرتابة، بالجريان العادي للأيام، بالتشابه والتناسخ والتكرار، بالعدميّة والفجاجة، بالضياع والتيه..ندور حول حلقة مفرغة.
25 عاماً من فقدان الذات، من الإغتراب، من نكران الكينونة واستحالة المآلات.
أهلاً بك يا أنا في عامك الجديد: ريش في جناح طائر، حلم في خيال زائر، ونثارة في مهب الريح.
تدوسنا عجلة الحياة دونما اكتراث.
الكاتب: محمد نبراس العميسي
Discussion about this post