بقلم … ماهر اللطيف
طرق الباب الرئيسي لمنزلي طرقا مبرحا وقويا جدا ، حتى كاد يثير جدلا وفوضى بين الجيران عند منتصف الليل وكان الهدوء يعم المكان ويكسوه بطابع السكينة والأمن والأمان ….
أعاد الطرق مرارا وتكرارا إلى أن استفقت من سباتي العميق مذعورا ومصدوما،قفزت من الفراش قفزة لولبية كدت أسقط أرضا على إثرها – بما أني لم أقم بأية حركة رياضية منذ مدة وأنا مسن متقدم في العمر – ، بحثت عما أنتعله فلم أجد ،مما جعلني أهرع جاريا نحو الباب حافي القدمين وأنا أتلو المعوذتين وأدعو الله أن يسترني ويجعل الطارق حاملا لأمر حسن لا فاجعة من الفواجع و مصيبة من المصائب…
وبما أن الطقس صيفي حار جدا، فقد كنت أتصبب عرقا من كل الأماكن وأكاد أغرق في مياهي التي تنساب من لحمي انسياب مياه الشلالات وأكثر مع هذا الحدث الذي أتشوق لفك طلاسمه ومعرفة أغواره، وكنت أسمع من حين لآخر أصواتا تصدرها قدماي جراء هذا البلل حتى خلتها موسيقى أو ما شابهها متأتية من مكان ما…
وها إني أمسك قبضة الباب بعد البسملة حتى وجدته منتصب القامة ، جميلا وأنيقا، طويلا وممشوق العضلات، مبتسم الوجه وأحمر الخدود، طيب الروائح ومرتب الشعر، واقفا أمامي شامخا وواثقا من نفسه، فمد يده لمصافحتي بحرارة قبل أن يقبلني من خدي ويهمس في أذني بصوته الرقيق الجذاب:
– كل عام وأنت بخير يا مهجة الفؤاد ونبض القلب
– (مرتبكا ومترددا ومتلعثما في كلامي) أنت مجددا ؟
– (مبتسما ومربتا على كتفي بلين وحنان) أرجو لك موفور الصحة والعافية وطول العمر ، مزيدا من النجاح والفلاح، انتبه واحذر وأعلم جيدا أين تضع قدميك وماذا ينطق به لسانك، اتق الله في نفسك وفي غيرك واخش يوما لا ينفع فيه ندم ولا حسرة…
ومازال كذلك – وأنا لا أصدق ما أرى وأسمع – حتى اختفى فجأة وغاب عن الأنظار في لمح البصر ليتركني مسمرا في مكاني برهة من الزمن لا أفقه شيئا ولا أع ما يدور حولي، فبحثت عنه في كل اتجاه ومكان ولم أجده ،ثم أغلقت الباب وعدت متثاقلا نحو فراشي وأنا أردد بصوت مسموع بدون انقطاع “ما أسرع الوقت وما أتفهه في حياة إنسان يحترمه و يعطيه ما يستحقه من عناية واهتمام…”
جلست هائما وتائها،ضائعا وشارد الفكر وأنا أسترجع ذكرياتي من طفولتي -بداية الفترة التي يمكنني تذركرها أو تذكر جزء منها – إلى بلوغي ومراهقتي وشبابي ،مرورا بكهولتي وشيخوختي حاليا،وقد استنجدت بفرحي وحزني وصحتي ووهني ،وعزوبتي وزواجي وتكويني لأسرة تزايد عدد أفرادها بتقدم السنوات إلى أن وجدتني مجددا مع شريكة حياتي وحيدين بعد أن تزوج أبنائي وسكنوا بعيدا عنا ،فبكيت بحرقة وصوت مسموع ما إن تذكرت وفاة زوجتي مؤخرا وتركي وحيدا في هذا المنزل الذي يذكرني كل جزء فيه بها وبكلمة أو حركة أو فعل قامت به ، وها قد ركتني أعيش فراغا على جميع الاصعدة -وقد رفضت الإقامة مع أي أحد من أبنائي رغم إلحاحهم وإصرارهم على ذلك -………
وبقيت كذلك مدة من الزمن حتى رن جرس هاتفي عاليا مرة أولى وثانية وثالثة ورابعة تواليا ،فقد رجا لي أبنائي عيد ميلاد سعيدت وعمرا مديدا و وابلا من الأرجاء وتحقيق الأحلام الممكنة – ما عدا الزواج مجددا لأنهم يعلمون جيدا إخلاصي لأمهم وحبي الشديد لها -….
فشكرتهم جزيل الشكر وأثنيت على صنيعهم قبل أن أعلمهم أن عيد ميلادي زارني للتو ككل سنة وقام بالواجب تجاهي ،وتركني في مواجهة القضاء والقدر والناس والشيطان ونفسي الأمارة بالسوء وكل ما يمكن أن يعترضني خلال هذه السنة في انتظار قدومه السنة المقبلة إن كنت على وجه الأرض وما زال في العمر بقية بإذن الله.
Discussion about this post