لحظات الوداع القاسي
الكاتب: محمد نبراس العميسي.
في لحظات الوداع الأخير، وعند الرحيل، في هذه اللحظات المؤلمة والذابحة والقاسية والعصيّة على التصديق، لا أستطيع على التعبير ولا أقوى على الكتابة، يُصاب التعبير بالجمود ويجف الحبر، وتُصاب الأصابع بالتخشّب واليباس؛ لكنْ بما إنك رحلت، تواريت وذهبت إلى البعيد، قدّمت استقالتك ومضيت..يتحتم عليَّ هنا الكتابة عنك وإليك وأنا أضمد الجرح والنزيف، وأنا اتسامى على الندوب العميقة في جدار الروح تلك الّتي خلفها رحيلك.
سيبدوا عصيًّا على الزملاء نسيانك، ونسيان تفاصيل كثيرة عاشوها معك، خطواتك المنثورة في ساحات المستشفى وأروقته، جديتّك ووضوحك، أمانتك ونزاهتك، متابعتك للعمل، سعيّك الحثيث بالنهوض بالمستشفى إلى مكان عالٍ ورفيع، أحتواءك للجميع، حبك لهم وحرصك على توفير حقوقهم كاملة، إخلاصك ونبّلك، تأثيرك الإداري القويّ، عدلك الآسر، وصدقك التام حتّى مع أشجار الطريق..سيبدوا رحيلك طعنة في الخاصرة والقلب، غصّة في الحلق ودمعة في العين لا تكف عن الإنسكاب يادكتور لؤي.
أحقاً رحل، تركنا في المنتصف وغادر؟! هكذا يتساءلون، هكذا يتساءلون بلسان دموعهم وحزنهم وفقدهم. كلّ الّذي يرونه بدونك ضياع، غياب ومتاهة شاسعة، درب ممتلئ بالأشواك لا يصل بأحد إلى وجهة آمنة. حدث معهم ذلك يادكتور،. أصابهم الشتات يامن كنت البوصلة والسارية والمنارة.
أتيت والمستشفى أنقاض، مبنى صغير لا يُقدّم شيء، عملت على تطويره شيئًا فشيئاً، حجرة تتلو حجرة، بلاطة وبلاطة، وشجرة فشجرة حتّى أصبح على ماهو عليه؛ أصبح يتصدر المشهد والصدارة والقمة، يتحدث عنه الجميع ويشيد.. وحين تمضي عشرات السنين وتأتي أجيال: سيقولون كان هنا مستشفى وكان هنا لؤي. كان لديهم لؤي، فكأنت لديهم أحلام، كان لديهم لؤي، فكأن لديهم إنجازات ونجاحات، ستُحال حينها إلى الخلود، إلى أسطورة في الألسن، إلى شخصية إدارية لا تتكرر في التأريخ مرتين.
حتّى وإن غبت، شيء منك باقٍ هنا لا يغيب، أنت تحضر في كلّ الأمكنة والأزمنة.
وداعاً دكتور لؤي..
وداعاً مسيرة حافلة بالنضال والعطاء.
وداعاً لإنجازات ملموسة كثيرة رأيناك حققتها.
وداعاً لطموحات وغايات وأحلام وأمال.
وداعاً ذكرى لا تُنسى مهما عبرتنا من سنين.
وداعاً أبوّة حانية عشناها معك يا آبانا الكبير.
أعذرني على التقصير في الكتابة..يخونني قلمي في لحظات هكذه.
وداعاً أيّها العزيز.
Discussion about this post