مسلسل “جمهورية زفتى” يعد واحدا من أشهر المسلسلات التليفزيونية، والجميل في هذا المسلسل أن قصة مستوحاة من أحداث حقيقية حدثت في سنة 1919، وبطلا هذه الأحداث هما يوسف الجندي المحامي وشقيقه عوض الجندي المحامي اللذين كتبت عن حكايتهما في كتابي “أصل ااحكاية” الصادر عن دار غراب للنشر والتوزيع، وكتب قصة المسلسل الكاتب الكبير يسري الجندي وقام بإخراجه إسماعيل عبدالحافظ وقام ببطولته كل من ممدوح عبدالعليم وصابرين ومحمد منير وحسن حسني، وقد جسد شخصية يوسف الجندي المحامي في هذا المسلسل الفنان كمال أبو رية، وجسد شخصية أخيه عوض الجندي المحامي الفنان محمود مسعود، وتم عرض هذا المسلسل سنة 1998، والغريب أن كاتب المسلسل لم يجعل من يوسف وعوض الجندي بطلين لأحداث المسلسل، بل قام بابتكار شخصية خيالية هي شخصية إبراهيم النعماني الذي جسد شخصيته الفنان ممدوح عبد العليم وجعله بطلا للأحداث.
والأحداث الحقيقية بدأت عندما قام الإنجليز بنفي سعد باشا زغلول ورفاقه سنة 1919، فاندلعت الثورة في جميع ربوع مصر، وقد وثقت المصادر التاريخية ثورة المصريين من أجل الحرية والاستقلال، ولكن هناك حدث وقع وأذهل العالم كله وقتها، حيث قام يوسف الجندي المحامى ابن الشيخ أحمد الجندي أحد كبار تجار القطن في مصر كلها بإعلان استقلال مدينة زفتى الواقعة بمديرية الغربية، وقيام جمهورية زفتى المستقلة عن حكم مصر التي كانت تقع تحت سيطرة الاحتلال الإنجليزي في ذلك الوقت.
ولم يكن يوسف أحمد الجندي المحامي الثائر هو فقط من قام بالثورة ضد الاحتلال البريطاني لبلاده بل شاركه كفاحه ومسيرته النضالية شقيقه الأكبر عوض أحمد الجندي المحامي، ومعهما عدد كبير من أعيان زفتى، ويوسف الجندي كان معروفا بنضاله الوطني منذ الصغر، حتى أنه فصل من كلية الحقوق بسبب مواقفه ضد الإنجليز والتحريض عليهم، وبعدما أعيد قيده حصل على الليسانس وعمل بالمحاماة، وعندما اندلعت الثورة في أنحاء مصر كان يوسف الجندي متواجدا ببلدته زفتى، فاتفق يوسف مع شقيقه عوض ومع الثوريين من البلدة على التضامن مع الثوار وإعلان زفتى جمهورية مستقلة فكانت أولى جمهوريات الشرق الأوسط كله، بل وأطلقوا عليها إمبراطورية زفتى نكاية في الإمبراطورية البريطانية العظمى.
ومن الغريب والعجيب أن المد الثوري بزفتى وصل لأن قام رجل من الخارجين عن القانون بإعلان توبته أمام يوسف الجندي المحامي ورفاقه، بل وطلب منهم السماح له ولرجاله بالانضمام للثوار ونيل شرف محاربة الإنجليز، لأنهم يتمنون أن يموتوا أبطالا فداءاّ لمصر. وفي نفس الوقت انضم ضابط نقطة البوليس بزفتى ورجاله إلى الثوار، بل وصل به الأمر لأن يفتح السلاحليك _غرفة السلاح بالنقطة_ للثوار ليتسلحوا بها لمقاومة الإنجليز، وهكذا اجتمع رئيس العصابة الخارج عن القانون “سبع الليل” مع ضابط الشرطة “حمد أفندي” لأول مرة من أجل هدف سام ونبيل، وهو حب مصر والجهاد من أجل حريتها.
وحينما وصل الخبر للإنجليز أرسلوا قوة عسكرية لوأد ثورة زفتى والقضاء على الجمهورية الوليدة عن طريق الكوبرىدي المعدني الواصل بين زفتى وميت غمر، لكن تصدى الثوار لهذه القوة فاضطرت للانسحاب، فأرسل الإنجليز قوة عسكرية أخرى للاستيلاء على زفتى عن طريق القطار لكن الأهالي كانوا قد قطعوا قضبان السكة الحديد فعطلوهم وفشلت هذه القوة أيضا في الوصول إلى زفتى الجمهورية المستقلة، وبعدها أرسل الإنجليز قوة أسترالية ضخمة عن طريق المراكب بالنيل وبالفعل استولت هذه القوة على زفتى وقضت على الجمهورية الوليدة، لكن تم تهريب يوسف الجندي عن طريق أم المصريين السيدة صفية زغلول زوجة زعيم الأمة سعد باشا زغلول.
وظل يوسف الجندي متخفيا بعيدا عن أيدي الإنجليز ولم يظهر إلا بعد عودة سعد باشا زغلول من الخارج، وحينما أصبح سعد باشا زغلول رئيسا للوزراء أصدر عفوا عن جميع السجناء والمطلوبين السياسيين، وأصبح يوسف الجندي المحامي بعد ذلك واحدا من كبار رجال السياسة والبرلمان المصري، ووصل به الحال لأن يصبح نائبا لزعيم المعارضة بمجلس الشيوخ، وتوفي يوسف الجندي في سنة 1941، وتم تسمية عدد من الشوارع باسمه في زفتى وباب اللوق والتجمع الخامس وغيرها من المناطق، أما شقيقه عوض الجندي فقد أصبح عضوا في الجمعية التشريعية وكانت وفاته في ديسمبر سنة 1964.
Discussion about this post