اليك اشكو الهوى صبّا وحيرانا والليل معتكرٌ والفجر ما بانا
هذا فراقٌ لنا والنار لاهبة بين الضلوع لها عصفا ونيرانا
فما عرفت الهوى يوما ويعرفكم ارزاؤه ثقلت يا نور دنيانا
هل كان قلبي على نؤياك مؤتمرٌ كالمدلجون السرى والليل اخدانا
شقّ المسير الى رسمٍ بناظرنا فيه الحبيب فأعيا الدرب مسرانا
قولي بربك ذات الخال صادقة فقد تمادى النوى والشوق ادمانا
قولي اذيبك مثل الصخر من صلدٍ فذاك نبع لكم قد اينع البانا
قولي جهولا فانّي غير مبتئس والعقل مفتقر ، والدهر اخزانا
قولي كرهتك ارضاها وراضيتي اذا صدقتِ النهى يا نور برهانا
اني اقول اليك اليوم كارهتي ما كان هذا الهوى زورا وبهتانا
ازجيت راحلتي والدار في شططٍ ظهر الفلاة بها دعصا وكثبانا
وكلما صُليتْ نارا حشاشتها غذَّت مسيرا لها والدار نأيانا
سيّان هجركِ او انت واصلتي لا يستوي الحب في قلبين شتّانا
كنت الضميئة لي ارخت ذوائبها في جنح ليلٍ لنا والثغر ظمآنا
مهلاً رويدك ما للعين باكية ؟ والدمع يجري على خدّيكٍ هتّانا
من موج عينيك يبني البحر شاطئه انّ المراسي لموج كنّ شطآنا
ان كان في الشرق هذا الحب مثلبة او كان كفرا به الامساك ايمانا
ان العناق بشرع الله نافلة يوم الخروج به حطّت خطايانا
ما ورد نيسان الا من تفتحكم بل خدّك الورد اذكى ورد نيسانا
ما كان فرعك الا نخلة سمقت او كُرمُ داليةٍ فينا واغصانا
ان كان من قدري عشرون ضائعة من السنين مضت رزءا وحسبانا
سأكتب الدهر في الحاظكم لغة واكتب الشعر فوق الشمس عنوانا
هذه القوافي جراحاتٌ مواضعها غنّت بلحن الصبا بعدا وهجرانا
لثمتُ ثغركٍ وهج النار لاذعة لها ضرام السنا اذكى حشايانا
سأترع الكـأس من عينيك صافية صِرف المدام وكأس العمر ملآنا
امست نجوم السما حيرى لسكرتنا وابلج الصبح نسرينا وريحانا
قالت رويدك ما للسيف منصلت انظر لساح لكم اشلاء قتلانا
اكتنزت قصيدة الشاعر ( غير مبتئس ) بالكثير من المظاهر الايقاعية التي عززت بنائها الموسيقي الداخلي والخارجي موظفا الابعاد الدلالية في ثنائياته المترادفة والمتضادة في آن واحد كلغة يخاطب بها المحبوب بنبرة الشوق والشكوى والمناجاة من خلال اللغة التي اتقنها الشاعر بابعادها على المستوى الدلالي والانتقالي في سياق النص الشعري بمستوياته البنائية اللفظية والمعنوية كما غلبت الصور الحسية التصويرية على طابع النص بدءاً من العنوان حتى قفلة القصيدة ..
وقد برع الشاعر في توظيف الفنون والاساليب البلاغية مما ارتقى بالقصيدة على المستويين اللغوي والتصويري الحسي والمشهدي الغالب في تشكيله البنائي الشعري ممتزجا بايقاع روحي واضح ارتقى بالمستوى الفني للقصيدة من خلال اختياره قافيته النونية المطلقة وهي الاكثر شجنا وايحاءا وتاثيرا في خلجات الشاعر ..
كما انه تمكن من توظيف معجم الحزن والشكوى في بناء قصيدته من خلال الالفاظ المناسبة لغرض المناجاة والشكوى المفعمة بالدلالات الوجدانية العميقة ما عكس المشاعر الصادقة والعاطفة الجياشة والعمق الوجداني في اروع تصوير
كما غلب على النص اعتماد الشاعر على الثنائيات اللفظية المترادفة والمتضادة من حيث المعنى الحسي في قوله ( صبا وحيرانا ــ والليل والفجر ما بانا ــ عصفا ونيرانا ـ وغيرها )
استخدامه لحرف الواو العاطفة والتي تكررت في معظم ابيات قصيدته عكست حالة عميقة من المقارنة بين حالتين متشابهتين ومختلفتين في آن واحد تتضح في قوله ( كالمدلجون السرى والليل اخدانا ــ والعقل مفتقرٌ والدهر اخزانا ــ الهجر والوصل ــ ارضاها وراضيتي ….)
تلك الحالة الروحية والشعورية العميقة اعطت بعدا يعكس حالة الشعور بالاحباط والانكسار والحزن العميق تتضح معالمه في مخاطبة الطبيعة وانسنتها التي وان بدت جامدة في طبيعتها غير انها عكست الحركية فيها في وجدان الشاعر ومخيلته الشعورية والحسية كما جاء في قوله ( ازجيت راحلتي والدار في شططٍ ــ دعصا وكثبانا ــ غذت مسيرا لها والدار نأيانا ــ يبني البحر شاطئه ــ موج عينيك ــ الدمع يجري … )
كما برع الشاعر في انسنة الطبيعة موظفا اياها ابرع توظيف في بنائه التشكيلي للقصيدة ( الليل ، الفجر العصف ، الادلاج ، السرى ، الصخر والصلد ، النبع ، الدهر ، الفلاة والرمال ، البحر والموج ، الشطآن ، الشرق ، نيسان ، النخلة والورد / الدهر / الشمس / نجوم السماء / الصبح )
اذا وظف عناصر الطبيعة والوجود المحسوس والماديّ وعنصري الزمان والمكان توظيفا حفلت به القصيدة واعطته ابعادا دلالية تعكس مدى تاثر الشاعر بما حوله ومحاكاته مناجيا طيف الحبيب من خلاله وباثّا له عمق حزنه وشجنه العميق الذي افصح عنه وكأنه يفك طلسم جراحاته وجداً وهياما في قوله
ان كان من قدري عشرون ضائعة من السنين مضت رزءا وحسبانا
ورسالته الخطابية للمحبوب وكأنها اخر ما يختم بها الشاعر رسالته لمحبوبه في قوله
سأكتب الدهر في الحاظكم لغة واكتب الشعر فوق الشمس عنوانا
تلك الرسالة في بلاغتها اكثر شمولا وابعادا مما يظنه القارئ والمتلقي ، انها رسالة تعطي ابعادا تجاوزت حدود المحبوب الى عالم اوسع يخاطب فيها الشاعر المجتمع الشرقي ككل في قوله
ان كان في الشرق هذا الحب مثلبة او كان كفرا ، به الامساك ايمانا
ان العناق بشرع الله نافلة يوم الخروج به حطّت خطايانا
وما ارها الا تضمينا معنويا بلاغيا قفل بها الشاعر خطابه الشعري ان الحب رسالة انسانية تأسست عليها الانسانية وسرّ الوجود .
Discussion about this post