أنا والشَّمسُ وغيمة…!
اتفقنا أن نصبحَ أصدقاءَ
وأن نكتب على صفحة السماءِ البيضاءِ أحلامَنا،
أن نفرحَ مع المطرِ بهزيمتهِ للأرضِ
وأن نواسي الشتاءَ في وحدتِهِ العميقةِ.
الرِّياحُ تحملُ أغنياتِنا
وتنشرُها في أركان الكونِ
مثل رسائلَ في زجاجاتٍ تنتظرُ أن تُفتحَ
وأن تُقرأَ من قلبٍ يفهم لغةَ الطبيعة.
المطرُ في رقصتهِ العذبةِ
يسقطُ كهمسِ المكاشفاتِ على الأرضِ العطشى.
والشَّمسُ تهمسُ للغيمةِ بأسرارِ النورِ،
والغيمةُ تروي لي حكاياتٍ عن أماكنَ بعيدةٍ
لم تطأها أقدام البشر.
**
الشَّمسُ تلملمُ أطيافَها
وتستعدُّ لمدِّ الورودِ بالأشعةِ،
وأنا
أفترشُ قلبَ السماءِ
راخيًا جناحَي محلقًا بلا قيودٍ.
أمتطي أشعةَ الشمسِ في الصباحِ،
وشذراتِ النهارِ ملتحفًا بغيمةٍ…
وحينَ الغروب…!
أقفُ على حافةِ السَّحابِ
لأشاهدَ المدنَ الصغيرةَ وهي تنطفئُ
على ضفافِ النهرِ…
**
المدنُ الصغيرة…
تتلونُ بأطيافِ الذكرياتِ،
تنطفئُ كشموعٍ في مهبِ الرياحِ،
تاركةً وراءها رمادَ الأيامِ.
كل زاويةٍ، كل نافذةٍ، كل حجرٍ
يحمل في طياتِه حلمًا لم يعدْ له شروقٌ.
**
الأشجارُ تهزُّ أوراقَها في وداعٍ حزينٍ،
تنسدلُ ظلالُها على الأرصفةِ
كسِتارٍ من الحريرِ البالي.
حتى الطُّيورُ؛ تودعُ أشعةَ النهارِ
الأخيرةَ بنغمٍ خافتٍ،
ثم تختفي في العتمةِ وكأنها أسرارٌ
مختبئةٌ بين الأغصانِ.
**
وفي هدأةِ السُّكونِ،
تحدثني الغيومُ
بأسرارٍ لم تُروَ،
عن بحارٍ لم تعرفِ المرافئَ،
وجبالٍ تتجاوزُ الحدودَ.
عن كلِّ قطرةِ مطرٍ تنسكبُ من عينيها، تصحبُها
قصةُ حزنٍ عاشتْ على الهامشِ، وفي صمتٍ موحشٍ،
تهبطُ إلى الأرضِ لتسقي جذورَ الأشجارِ الباكيةِ.
يا غيمةَ، أيَّ المشاعر تحملينَ؟
وهل تشعرينَ بفراقِ الأرضِ بعد رحيلِ المطرِ؟
أم أنَّ نحيبَكِ هو نداءُ الغربةِ
في ليلٍ مكتظٍ بالأسى؟
خطاب الفاروقي/السودان
Discussion about this post