في بلاد الطواحين والقنوات المتشابكة، أعيش أيامي كغريب أهداه القدر إلى شواطئ هولندا. في شوارعها الهادئة، وبين بيوتها المزينة بالأزهار، أجدني أستعيد ذكريات وطن بعيد، حيث تشرق شمس الصباح بنكهة خاصة، وتختلط رائحة الخبز الطازج بنكهة الشاي المغربي بالنعناع.
رغم جمال المشهد حولي، يبقى في القلب حنين لا يهدأ. كلما عبرت جسرًا من جسور أمستردام، تذكرت جسور بلادي، حيث كانت اللقاءات والأحاديث التي لا تنتهي. هنا، تغريني الحداثة والنظام، وهناك، تستهويني العفوية والبساطة التي نشأت عليها في أزقة المدينة العتيقة ومقاهي الساحة.
أحيانًا، أجلس في مقهى صغير، أحتسي قهوتي وأراقب المارة. أتساءل: هل يحمل أحدهم قصة تشبه قصتي؟ هل يختبئ خلف الابتسامات شوق لمكان آخر؟ في تلك اللحظات، يصبح الوطن أكثر من مجرد مكان، يصبح نبضًا في عروقي، ذكرى في كل زقاق وشارع، وجهًا مألوفًا في غربتي.
أتعلم من الغربة أن أقدّر التفاصيل الصغيرة، تلك التي قد تمر مرور الكرام في زحمة الأيام. أشتاق إلى حديث العائلة، إلى رائحة الطاجين المغربي، إلى لمسة التراب على يديّ في سوق المدينة. رغم أنني وجدت في هولندا بيتًا جديدًا، يبقى الوطن الأول محفورًا في الذاكرة، لا يغيب أبدًا.
هنا، في قلب أوروبا، أتعلم أن أكون جسراً بين ثقافتين، أن أحمل معي أصالة بلادي وأمتزج بروح الحداثة التي تحيط بي. أعيش في هولندا، لكن جزءًا مني لا يزال يتجول في أزقة الوطن، حيث القلب لا يزال ينبض بحب لا ينضب، وحيث الحلم بالعودة يومًا ما يظل حاضرًا في الأفق.
Discussion about this post