حكاية زواج الجورنالجي الشيخ علي يوسف وبنت الحسب والنسب صفية السادات تعتبر واحدة من أشهر حكايات الزواج في مصر على مر العصور وأكثرها تشويقا، وهذه الحكاية شغلت مصر كلها وقت حدوثها وكانت بمثابة قضية رأي عام وترند ذلك الزمان، حيث كانت الصحف في ذلك الوقت تتابع تلك القضية وتنشر أخبارها في الصفحات الأولى، وأطلق عليها حكاية الجورنالجي وبنت الحسب والنسب، والصحفي صاحب الشخصية المثيرة للجدل المليئة بالمتناقضات الشيخ علي يوسف كان الصديق المقرب في ذلك الوقت من الخديو عباس حلمي الثاني، وأما بنت الحسب والنسب صفية السادات فوالدها هو الشيخ عبد الخالق السادات أحد وجهاء مصر في ذلك الوقت، والذي يمتد نسبه للإمام الحسين حفيد الرسول صلى الله عليه وسلم.
وبدأت أحداث الحكاية التي شغلت مصر كلها في سنة 1900، عندما تقدم الصحفي الشيخ علي يوسف للزواج من صفية بنت الحسب والنسب، والشيخ علي يوسف كان قد وفد إلى القاهرة من بلدته فقيرا طموحا، وبعد أن تنقل بين عدة أعمال تدفقت الأموال عليه وبدأ يكتب في الصحف المصرية، حيث استغل دراسته بالأزهر الشريف، فكانت كتاباته في ذلك الوقت تتبنى قضايا الدفاع عن الإسلام، وتعرف بالخديو عباس حلمي الثانى الذي وجهه لإصدار جريدة “المؤيد ” لتتبنى وجهة نظر الخديو السياسية، وتسانده في مواجهة جريدة “المقطم” المساندة والمؤيدة لسياسات الاحتلال الإنجليزي، وبالفعل خرجت “المؤيد” إلى النور وصدر أول أعدادها في يوم أول ديسمبر سنة 1889، وكانت هي أول صوت يطالب بجلاء الاحتلال الإنجليزي عن مصر.
أما الشيخ عبدالخالق السادات فقد كان واحدا من أثرياء مصر ووجهائها المعروفين، كما كان شيخا لطريقة السادات الوفائية، وهي إحدى الطرق الصوفية المعروفة وقتها، وكانت صفية تبلغ من العمر 14 سنة، وتتمتع بجميع صفات الجمال الأنثوي وقتها، فقد كانت بيضاء وممتلئة الجسم، وهي المواصفات التي كان يتمناها الرجال وقتها، وتعلقت صفية بحب الشيخ علي يوسف 37 سنة الصحفي الشهير والرجل المتزوج والمشهور بزيه الأزهري المعروف، وبالفعل تمت الخطبة ولكنها طالت واستمرت 4 سنوات كاملة، وكلما فاتح الشيخ علي يوسف والد صفية في موضوغ إتمام الزواج كان يماطل ويسوف وكأنه لا يريد إتمام هذا الزواج.
حتى جاءت سنة 1904 وحينها بلغت صفية سن 18 عاما، وأصبح سن الشيخ على يوسف 41 عاما، فألح بشدة على والدها لإتمام الزواج، غير أنه استمر في مماطلته وتسويفه، مما دعا بالخطيبين الحبيبين إلى الإتفاق على الزواج بعيدا عن والدها، وبالفعل تم عقد القران في منزل الشيخ محمد البكري الذي يمتد نسبه للصحابي الجليل أبي بكر الصديق، وكانت صفية صديقة لبناته في ذلك الوقت.
وحدث أن تقدم الشيخ عبدالخالق السادات والد صفية بشكوى ضد الشيخ علي يوسف، حينما علم بخبر الزواج من الصحافة، ولكن تم حفظ التحقيق لأن العروس قد بلغت سن الرشد، فقام والدها برفع دعوى إبطال الزواج وطلب التفريق بين الزوجين لعدم التكافؤ، حيث أن العروس بنت حسب ونسب، والعريس رغم أنه أصبح غنيا لكنه كان فقيرا ولا يعد مناسبا لها، وظلت القضية متداولة في المحكمة وشغلت الرأى العام في مصر كلها، وتعرض الشيخ علي يوسف لحرب على صفحات الجرائد من المساندين لموقف الشيخ السادات، وكذلك من المتحالفين مع الاحتلال الإنجليزي، الذين استغلوا الموقف لمهاجمة الشيخ علي يوسف المؤيد للخديو عباس حلمي الثاني.
وفي المحكمة أصدر القاضي الشيخ أحمد أبو خطوة قرارا مؤقتا بالتفريق بين الزوجين، وتسليم صفية إلى والدها لحين الفصل النهائي في الدعوى المرفوعة من والدها، وفي الوقت الذي رحب فيه الشيخ علي يوسف بذلك ولم يعارض القرار، أتت المعارضة من قبل صفية التي كانت تخشى من عقاب والدها، فاختارت الإقامة في بيت أحد علماء الأزهر الشريف وهو الشيخ الرافعي بعد أن خيرها القاضي بين الإقامة في بيته أو بيت مفتي الديار المصرية أو بيت الشيخ الرافعي، وأصدر القاضي قرارا بإحالة الدعوى للتحقيق في نسب الشيخ عبدالخالق السادات والشيخ علي يوسف.
ثم أصدرت المحكمة في شهر أغسطس 1904 قرارها ببطلان عقد الزواج والتفريق بين الزوجين لعدم التكافؤ بينهما، حيث ثبت للمحكمة من شهادة الشهود أن الزوجة يمتد نسبها للإمام الحسين بن علي، بينما الزوج لا يضاهيها في هذا النسب الشريف، مما يدعو إلى التفريق بينهما، كما أعلنت المحكمة أن حرفة الزوج هي الصحافة التي يحرمها البعض، لأنها تعتمد على معرفة أخبار الناس ونشرها، مما يجعلهم عرضة لكلام من يقرأ الصحف وذلك لقول الله تعالى: “ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا”.
ولكن بعد فترة توسط البعض لدى الشيخ السادات ليرد ابنته إلى زوجها، وبالفعل وافق الأب على زواجهما بعقد جديد بحضوره، حيث اعتبر أن حكم المحكة بمثابة رد لشرفه وكرامته خاصة بعدما تغير حال الشيخ علي يوسف الذي حمل رتبة الباشوية كما أصبحت جريدته أكبر وأوسع الصحف العربية انتشارا، وأصبح واحدا من كبار السياسيين في مصر، وذلك بعدما تولى رئاسة واحد من أكبر ثلاثة أحزاب مصرية، وأصبح عضوا في البرلمان، أما الزوجان فقد عاشا معا وأنجبا 3 بنات، والغريب أن الشيخ علي يوسف قد تغير في سنواته الأخيرة حيث أصبح دائم الشكوى والتبرم من زوجته صفية السادات، ويدعي أنها أصبحت سليطة اللسان، وبعدما كان لا يفارقها أبدا في بداية الزواج، أصبح يقضي ما يقرب من 20 ساعة يوميا في مكتبه بجريدة المؤيد فرارا منها.
ويتوفى والد صفية ويترك ميراثه لبناته الثلاث، ويتولى مشيخة السادات الوفائية من بعده زوج ابنته الكبرى، وأما الشيخ علي يوسف فقد ظل طيلة 8 سنوات بعد زواجه يبذل المساعي ويجاهد حتى يسجل اسمه في سجل الأشراف، وهو ما تحقق له بالفعل، وبعدما خلا منصب شيخ السادات الوفائية اعتزل الشيخ علي يوسف العمل بالصحافة كما اعتزل العمل بالسياسة، فتنازل عن جريدة المؤيد وعن منصبه في البرلمان وعن رتبة الباشوية وعن رئاسة الحزب، وعن كل شيء ليفوز بشيء واحد فقط، ألا وهو مشيخة السادات الوفائية التي تشترط ذلك،وهو ما تحقق له بالفعل، ووقتها فقط شعر الشعر علي يوسف أنه أصبح ندا لأسرة زوجته صفية التي رفضته يوما وعايرته بفقره.
وفي سنة 1913 يتوفى الشيخ علي يوسف عن عمر لا يتعدى 50 عاما، وورثته زوجته صفية التي كان سنها لا يتعدى 30 عاما بعدما ورثت والدها من قبل، والعجيب أن صفية بعد وفاة زوجها الشيخ علي يوسف قد وقعت في غرام أحد أصدقائه وهو الممثل زكي عكاشة أحد أفراد فرقة عكاشة المسرحية، ثم تزوجته دون اعتراض من أحد حيث مات كل من والدها الشيخ عبد الخالق السادات وزوجها الشيخ علي يوسف صاحبي الحسب والنسب.
Discussion about this post